للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كظم الغيظ والعفو عن الناس]

يقول الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران:١٣٣ - ١٣٤] والكظم معناه: الحبس، والغيظ معناه: أشد أنواع الغضب، وحينما يغضب هذا الإنسان لا لله عز وجل فعليه أن يكتم هذا الغيظ وهذا الغضب، ولكن حينما يكون هذا الغضب لله عز وجل ومن أجل دينه فلا يجوز أن يقف هذا الغضب عند حد العاطفة، وإنما ينتهي حتى تقام حدود الله عز وجل؛ ولذلك ما غضب الرسول صلى الله عليه وسلم غضباً إلا أن تنتهك حرمة الله عز وجل، ولا أظهر شدة إلا حينما يتعدى على حدود الله عز وجل، والمسلم مطالب أن يكظم الغيظ؛ بل مطالب أن يكون غيظه وغضبه لله عز وجل ومن أجل دين الله، وإذا كان يغضب لأمر من أمور الدنيا فإن عليه أن يغضب لله عز وجل أكثر من ذلك.

قال تعالى: {وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ} [آل عمران:١٣٤]، والعفو صفة من صفات المؤمنين لاسيما في ساعة القدرة، وضعف المعفو عنه، فإن العفو أمر مطلوب؛ ولذلك حث الله تعالى على العفو والإحسان فقال: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:٣٤].

ومن هنا تعالج مشاكل الناس بعضهم مع بعض، فالعفو عند المقدرة، والتجاوز والصفح عن الإساءة أكبر سبب وأكبر وسيلة يستطيع من خلالها المسلم أن يملك قلوب الناس، قال تعالى: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:٣٤]، ولكن هذا العفو عند المقدرة لا يستطيعه إلا الصابرون، ولذلك قال الله تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} [فصلت:٣٥] أي: العفو عند المقدرة {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:٣٥].

وهذا العفو على نوعين: فقد حث الله عز وجل على العفو في القرآن، وحذر من العفو في مكان آخر، بل في موقعين متجاورين قال تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى:٤٣]، وقال قبلها: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى:٣٩].

فنستطيع من خلال هاتين الآيتين المتجاورتين أن نجمع بينهما إذا كان حق للإنسان فالعفو أفضل، بشرط ألا يراد بهذه الإساءة استذلال أحد من المسلمين، أما إذا أريد بالإساءة إذلال مسلم من المسلمين، أو كان هذا الحق ليس للإنسان وإنما هو لله عز وجل، وكان غضباً لدين الله، فالله تعالى أمر بالانتقام فقال: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى:٣٩].

قال تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:١٣٤]، وهو إتقان العمل، ومراقبة الله عز وجل في الغيب والشهادة.