[وجوب معاداة الكافرين والبراءة منهم]
الحمد لله الذي حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق العصيان وجعلنا من الراشدين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.
اللهم صلَّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن آله، ومن دعا بدعوته وعمل بسنته ونصح لأمته وسلّم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها الأخوة في الله! اتقوا الله تعالى، واشكروه على نعمه التي أهمّها: أن هدانا للإسلام وأضلّ عنه خلقاً كثيراً.
أيها الإخوة! لقد حدد الإسلام الرابطة بين المسلمين وأعدائهم فقال سبحانه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:٥٥ - ٥٦].
أيها الإخوة! إن أوثق عرى الإيمان وأهمها: الحب في الله، والبغض في الله.
والحب في الله يقتضي محبة أوليائه، والعطف عليهم وإيثارهم، ولقد مدح الله المؤمنين في قوله: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:٥٤]، وقال سبحانه: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:٢٩].
وإن من أبرز قواعد الإيمان وأسسه: بغض أعداء الله وحربهم، وحمل العداء الدائم لهم.
إن مبدأ المؤمنين هو قول الله تعالى: {كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:٤].
ومن هذا المنطلق فلقد جاء الإسلام يحثّ المؤمنين على حمل العداء لأعدائهم الذين يتربصون بهم الدوائر، والذين يحملون لهم الحقد الدفين، ومهما أظهروا من العطف فإن قلوبهم تأبى ذلك: {يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ} [التوبة:٨].
معشر المسلمين! ومن هذا المنطلق أمر الله عز وجل المؤمنين أن يعادوا الكافرين، وألا يتخذوا اليهود والنصارى أولياء؛ فالكفر كله بأشكاله وملله ونحله ملّة واحدة، يتحد في الكفر وفي حرب الإسلام، وهو صف على المسلمين، وكل هذه الطرق في نار جهنم، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:٥١].
ولما نزلت هذه الآية قال طائفة من المنافقين: نريد أن نؤلف اليهود معنا؛ لأننا نخشى أن تصيبنا دائرة، فأنزل الله قوله تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة:٥٢].