إنّ الاستقامة والثبات عليها أمر لا مناص منه للمؤمن، خصوصاً في زمن التقلبات والأهواء والفتن، وفي زمن المساومة على دين الله تعالى في كثير من الأحيان من قبل كثير من المسلمين، تلك المساومة التي يسيل لها لعاب كثير من الناس، ولكن المسلم حقاً لا يمكن أن يرجع من منتصف الطريق، بل يكمل هذا المشوار إلى ربه وإلى الدار الآخرة، وهذه الاستقامة هي أفضل سلاح يستطيع المؤمن من خلاله أن يتخطى هذه العقبات التي تقف في طريقه وتعترض سبيله، وحينئذٍ لا يضره من خالفه ولا من خذله حتى يأتي أمر الله تعالى.
هذه الاستقامة هي التي تؤمن الإنسان في ساعة الموت، كما أنها تؤمنه في هذه الحياة الدنيا، فإذا كان مستقيماً على المنهج الصحيح لا يغير ولا يبدل، ولا يقبل المساومة، ولا يقبل أي منهج غير هذا المنهج الذي اقتنع به، وعرف أنه هو المنهج الصحيح الذي جاء به المرسلون من عند الله عز وجل؛ فإنّه يبشر في ساعة الموت بجزاء هذه الاستقامة، فتنزل عليه ملائكة تبشره في ساعة الاحتضار حينما تلتف الساق بالساق، وحينما تكون رجل في الدنيا ورجل في الآخرة، وحينما يريد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة مدبراً عن الحياة الدنيا، ومقبلاً على الله عز وجل والدار الآخرة، في ساعة رهيبة يفكر فيها الإنسان فيما أمامه من مخاوف: من حياة البرزخ وما فيها من الأهوال والمخاوف، والقبر وضمته، وسؤال الملكين، وما بعد حياة البرزخ من الصحف التي تسجل فيها الأعمال، والموازين التي توزن فيها الأعمال، والصراط والأمور الهائلة في ذلك الموقف.
وهو أيضاً يتصور هذه الحياة الدنيا وما فيها من أهل ومتاع، ويريد أن يودعه، فمن استقام على دين الله فإنه في ذلك الموقف الرهيب تنزل عليه الملائكة مبشرة له، كما قال سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[فصلت:٣٠ - ٣١] أي: كنا معكم، وكنا -بأمر من الله عز وجل- نثبتكم، {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ}[فصلت:٣١]، هذا جزاء الاستقامة، وإذا ثبّت الله عز وجل الإنسان في الحياة الدنيا ثبته في ساعة الموت، وثبته حينما يريد العبور على الصراط الدحض المزلة، الذي ورد وصفه بأنه أدق من الشعر وأحد من السيف، ويغطيه دخان جهنم.
فالمستقيم يثبته الله على الإيمان، فلا تستطيع هذه الفتن العاصفة، وهذه الأهواء المضلة، وهذا الزمان المغبر المخيف المرهق أن تغير مبدأ هذا المسلم الذي عرف الله عز وجل، واقتنع بهذا المبدأ، ورضي بالله رباً، وبمحمد نبياً، وبالإسلام ديناً، ويثبته الله عز وجل في المواقف العصيبة.