هناك نصوص تنهى المسلم عن طلب الولاية، فقد ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أبا ذر رضي الله عنه عن طلب الولاية، كما نهى أيضاً عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه عن ذلك وقال له:(يا عبد الرحمن بن سمرة! لا تطلب الإمارة؛ فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها) فطلب الإمارة يعتبر خلاف الشرع؛ لأن الذي يطلب الإمارة إما أنه يريد أن يرتفع على الآخرين في هذه الحياة، ومن منطلق القوة ربما يبطش بهؤلاء البشر، أو أنه يزكي نفسه، وكلاهما خطأ، ولكن يوسف عليه الصلاة والسلام طلب الولاية على بيت المال وعلى وزارة المالية في مصر، فقال:{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[يوسف:٥٥] فكيف نستطيع أن نجمع بين هذه الآية وبين ما ورد في الأحاديث من النهي عن طلب الإمارة؟ يمكن أن نوجهها بأن القاعدة الشرعية تنص على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه، وقد ورد شرعنا بخلافه، وهذا في شريعة يوسف عليه الصلاة والسلام.
ونستطيع أن نقول -وهو الأقرب والله أعلم-: إن يوسف عليه الصلاة والسلام رأى أن البلد قد أقبلت على خطر، وأقبلت على مجاعة شديدة لربما أهلكت البلاد والعباد من خلال الرؤيا التي رآها العزيز، حينما رأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، فرأى أن يتولى أمر مالية مصر لتكون الخزانة محفوظة لا يتلاعب بها أحد كما يتلاعب كثير من الناس بأموال الدول الإسلامية اليوم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(وإن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق لهم النار يوم القيامة) لأن مال المسلمين محترم أكثر من مال الفرد، فكما أنه تقطع يد السارق إذا سرقت مال الفرد فإن أموال الدولة والمسلمين محترمة أكثر من ذلك؛ لأنها يدلي فيها كل واحد من هؤلاء المسلمين، فرأى يوسف عليه الصلاة والسلام أن العالم قد أقبل على هاوية وعلى مجاعة، وأنه لو تولى أمر هذه البلاد فإنه سوف يصلح الأمور، ولذلك يقول العلماء: إذا علم من يطلب الولاية أنه يستطيع أن يقوم بها على خير وجه، وأن غيره ربما يقصر فتتدهور الأمور ففي مثل هذه الحال يطلب الإمارة ويطلب الولاية ويطلب السلطة.
كما قال يوسف عليه الصلاة والسلام:{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[يوسف:٥٥].