للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السحرة يدعون الناس إلى الله تعالى]

ثم بعد ذلك لم يكتفوا أن يكونوا مؤمنين، بل أصبحوا دعاة، واستغلوا اللحظات الأخيرة قبل أن يبدأ تقطيع الأيدي والأرجل من الخلاف، يد يمنى ورجل يسرى، ثم الصلب، ثم الموت، استغلوا هذه الفرصة فعلموا الناس الذين بقوا وراءهم أن مثل هذا التصرف لا يضيرهم أبداً، وأن المصيبة الكبرى هي أن يقدم الإنسان على ربه يوم القيامة وهو كافر، وهو بعيد عن الله عز وجل، فقالوا للناس: انتبهوا أن تغتروا بهذا الطاغوت الذي اغتررنا به مدة طويلة من الزمن، فعليكم أن تلزموا دينكم، فأصبحوا دعاة بعد أن كانوا قبل لحظات سحرة، فماذا قالوا؟ قالوا: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا})) [طه:٧٤] يحذرون الناس ألا يقدم أحدهم على ربه مجرماً {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلى} [طه:٧٤ - ٧٥] ما هي الدرجات العلى؟ {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} [طه:٧٦]، وهذا ليس عجيباً من أمر الله، وإن كان عجيباً في واقع البشر، وفي حياة البشر، وفي مألوفات الناس أن يتحول الساحر إلى داعية، بل ليس عجيباً في عالمنا اليوم ولله الحمد، فقد رأينا كثيراً من المفسدين تحولوا إلى مصلحين، وكثيراً من تجار المخدرات والمحرمات وأصحاب الجرائم والملاحدة في مثل هذه الأيام والحمد لله أصبحوا دعاة مصلحين، وعسى الله أن يتجاوز عنهم، وليبشروا، فإن الله تعالى يقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:١١٤].

المهم أن يوفق الإنسان إلى العودة إلى الله عز وجل قبل أن يحضر الأجل، أما إذا جاء الأجل فإن أحدهم يقول بكل لوعة وندامة: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:٩٩ - ١٠٠] فيقال له: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:١٠٠].

هذا درس يجب أن نفهمه أيها الإخوة! لا سيما في مثل هذه الأيام المباركة التي سقطت فيها المبادئ، وسقطت فيها الأفكار، وأهبت ريح الخير والإيمان والحمد لله، علينا أن نراجع أنفسنا قبل أن يحضر الأجل، ثم علينا أن نصلح العمل قبل القدوم على الله عز وجل: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلى} [طه:٧٤ - ٧٥]، هذا الكلام صدر من السحرة، ولكنه كلام بعد الاقتناع بالإيمان، وهم يرون الموت ليس بينهم وبينه إلا لحظات، لكنهم يعرفون أنها ميتة لا بد أن تكون، سواء كانت هنا أو هناك، في هذه الساعة أو بعد ساعات أو بعد سنوات، كل حي ميت، إذاً: لا بد أن يموت الإنسان على الفطرة، ولا بد أن يموت في سبيل الإصلاح قال تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا} [النساء:٨٤].