إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونثني عليه الخير كله، ونشكره ولا نكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله ومن دعا بدعوته ونصح لأمته إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة! هذه هي الحلقة الثانية من سورة النساء، ابتداءً من قول الله عز وجل:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[النساء:١٣] إلى آخر الثمن.
وقد تبين لنا من حدود الله عز وجل في الثمن الأول من هذه السورة أمور عظيمة هي من حدود الله سبحانه وتعالى التي أمر الله سبحانه وتعالى باحترامها والمحافظة عليها في هذه الآية، من تلك الحدود: صلة الرحم، والمحافظة على حقوق الأيتام، وحقوق النساء ومهورهن؛ حتى لا يتلاعب بهن الإنسان، ومن تلك الحدود: احترام تشريع الله عز وجل حينما أباح للرجل أكثر من زوجة؛ محافظة على المجتمع من الانهيار والفساد والتفكك، ومن حدود الله عز وجل: حفظ أموال الناس وأموال الدولة؛ بحيث لا تصبح بأيدي السفهاء يتلاعبون بها، وذلك في قوله تعالى:{وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}[النساء:٥]، ومن حدود الله: أحكام المواريث التي لم نتعرض لها؛ لأنها تحتاج إلى بحث خاص.
هذه الحدود عظمها الله عز وجل فقال:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ}[النساء:١٣]، والإشارة بالتاء مع اللام -لام البعد- مع كاف الخطاب يدل على عظمة المشار إليه وعلى أهميته.
والحدود معناها: الحواجز، أي: الأمور العظام التي وضعت حاجزاً أمام النفس البشرية لا تتعداها؛ لأنها من أوامر الله سبحانه وتعالى.
ثم أخبر الله عز وجل أن هذه الحدود من التزم بها، ووقف عندها، ولم يتعداها؛ فإنه مطيع لله ولرسوله، فقال:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[النساء:١٣]؛ فالذين يتبعون حدود الله وأوامره، ويقفون عند نواهيه، ويلتزمون بحدوده فلا يتعدونها، ويعصون في ذلك نفوسهم والشيطان، ويطيعون أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، هم الذين يستحقون هذه الجنة التي تجري من تحتها الأنهار.
أما النوع الثاني: فهم الذين يريدون أن يتجاوزوا حدود الله في مثل هذه الأوامر وغيرها؛ فيقطعون الرحم، ويعترضون على حكم الله عز وجل الذي أباح للرجل أربع نساء، أو لا يقفون عند حدود الله في معاملة النساء والعدل بينهن، أو لا يقفون عند حدود الله في حقوق اليتامى، أو الأموال، أو المواريث، فيقول الله عز وجل عن هؤلاء:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}[النساء:١٤]، هذه هي عقوبة الذي يتعدى حدود الله، وتلك للذين يلتزمون بحدود الله ويقفون عندها.