للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشباب والغرور]

احذر -يا أخي- إن كنت شاباً أن يغرك الشباب، فتقول لك هذه النفس البشرية: أمامك فرصة، وأمامك زمن، وأمامك مهلة، انهل من متاع هذه الحياة وتمتع، ويمكنك أن تتوب مستقبلاً! فإنّ هذه الأماني هي التي تغر كثيراً من الناس: {وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [الحديد:١٤]، وهي أخطر شيء على حياة الإنسان، فإنّ الشيطان يأتي هذا الشاب فيقول له: انتظر، وتمتع، وافعل، واترك، ويمكنك أن تتوب مستقبلاً فتصلي، ويمكنك أن تتوب مستقبلاً فتترك هذه المحرمات، ثم يوقعه الشيطان في حبائله إلى أن تغرغر هذه النفس، وتبلغ الروح الحلقوم، ثم يقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:١٠٠] فيقال له: {كَلَّا} [المؤمنون:١٠٠]، وهذا الأمر يقع فيه كثير من الناس، ولذلك كم من الشباب من كانت تراوده التوبة وتدغدغه، وهو يؤخرها يوماً بعد يوم، ثم إذا به يفاجئه الأجل، فيحال بينه وبين ما يشتهي.

كان الموت بالأمس القريب غالباً ما يكون على الفراش فلا يموت إلا مريض، ولا يموت إلا كبير السن، أما الآن فقد صرنا نعيش في فترة متأخرة من زمن الحياة الدنيا، فأصبح موت الفجأة أكثر بكثير من الموت الذي سبقته إنذارات وإرهاصات، وانظروا إلى حوادث السيارات، وانظروا إلى السكتات القلبية والجلطات، وانظروا إلى الأمراض المتعددة التي حدثت بسبب ما أحدثه الناس من معصية، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لم تظهر الفاحشة في قوم قط إلا فشت فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم)، فما كان الناس يعرفون مرض السكري، ولا مرض ارتفاع ضغط الدم، ولا الجلطة، وإنما حدثت هذه الأمراض بسبب ما أحدثه الناس من معاصٍ لله عز وجل.

ولذلك لو عملنا إحصائية: هل الذين يموتون من الشباب أكثر أم الذين يموتون من كبار السن؟ لوجدنا أن الذين يموتون من الشباب أكثر، ولو بحثنا لوجدنا أن الذين يموتون وهم أصحاء أكثر من الذين يموتون على فراش المرض، وإذا كان الأمر كذلك فعلى المسلم أن يبادر بالتوبة، فإن كان شاباً فعليه أن يستغل الفرصة قبل أن تنتهي مدة الشباب، وإن كان صحيحاً معافىً لا يشتكي مرضاً من الأمراض فعليه أن ينظر في هذه الأمراض التي تفتك بهؤلاء الناس.