ومن أسباب الاستقامة: تلاوة كتاب الله عز وجل بتدبر وتفهم.
والقرآن هو الذي يقول الله عز وجل عنه:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:٩]، ومعنى:{لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:٩] أي: أصلح في الدنيا والآخرة.
ولذلك فإن في تلاوة القرآن تعريفاً لهذا الإنسان بربه سبحانه وتعالى، وربطاً له بالحياة الآخرة، وتنظيماً له -أيضاً- في الحياة الدنيا، وفيه أيضاً تعريف بدين الله عز وجل تعريفاً حقاً حينما يتدبره هذا الإنسان تدبراً يتناسب مع عظمة هذا القرآن.
ولذلك فإننا ندعو الشباب إلى حفظ القرآن ما داموا في أول الشباب، وحينما يعجزون عن هذا الأمر فإننا نطالبهم بأن يقرءوه قراءة صحيحة بتدبر وتفهم مع معرفة شيء من معاني هذا القرآن؛ لأن هذا القرآن هو الذي أنزله الله عز وجل ليكون شفاءً لما في الصدور وليكون وسيلة استقامة لهذه الأمة، وبمقدار إعراض الناس عن هذا القرآن تكون الشقاوة في الدنيا والآخرة، ولذلك يقول الله عز وجل عن هذا القرآن:{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[طه:١٢٣ - ١٢٤].
ولذلك فإننا نقول إن الفتن التي يعيشها الناس اليوم لا يخلصهم منها إلا الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فلقد أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بأنه:(ستكون فتن.
فقالوا: فما المخرج منها -وفي رواية: فما المخرج منها يا رسول الله-؟ فقال: كتاب الله وسنّتي) ويكفي أن الله تعالى يقول: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى}[طه:١٢٣] أي: لا يضل في الدنيا عن الطريق المستقيمة، ولا يشقى في الآخرة بالنار والعذاب -والعياذ بالله-، وإنما يسير وفق خط مستقيم وطريق معتدل، لكنه حينما يعرض عن هذا القرآن فإن له معيشة ضنكاً في الدنيا، وهذه المعيشة ليست معيشة الفقراء وهم يعيشون في الأكواخ أو في البيوت المتهدمة، أو يعيشون في غياهب السجون وهم يشعرون مع ذلك بلذة الإيمان، ليست هذه هي المعيشة الضنك وإنما المعيشة الضنك: هي التي يعيشها الإنسان داخل قلبه وإن كان في قصر منيف؛ لأن المعيشة الضنك داخل القلب لا على الجسد.
ولذلك فقد أخبرنا الله تعالى بأن لذة الإيمان تعطي المؤمنين أكبر وسيلة للسرور في هذه الحياة الدنيا، وأخبرنا الله عز وجل بأن هؤلاء الظلمة الفسقة العصاة وإن كانوا في أعلى مكان في هذه الأرض وفي أعظم متاع فإنهم يعيشون في ضنك، أما أولئك المؤمنون وإن كانوا في غياهب السجون وإن كانوا في أكواخ متهدمة فإنهم يعيشون في لذة الإيمان، يقول الله تعالى عن هذه اللذة:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}[النحل:٩٧] وهذه الحياة الطيبة قد لا نشاهدها في بيته أو في أثاثه أو طعامه أو شرابه، وإنما هو يدركها في قلبه وهو يشعر بلذة الإيمان، ويقول الله تعالى:{وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}[هود:٣].
إن لذة الإيمان هي اللذة التي يقول عنها إبراهيم بن أدهم رحمة الله عليه: والله لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من لذة الإيمان لجالدونا عليها بالسيوف.