[الشرط الثاني: العمل الصالح]
قال عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [النور:٥٥].
قوله: (مِنْكُمْ) يُشير إلى المسلمين؛ لأن الأديان الأخرى قبل الإسلام -وإن مكن لها مدة من الزمن- كانت تنتهي بانتهاء تلك الفترة، أما هذه الأمة فقال الله تعالى عنها: (مِنْكُمْ)؛ لأنها الأمة الخالدة التي يبقى دينها ما بقيت السماوات والأرض.
والعمل الصالح هو الذي يتوافر فيه شرطان، فلا يقبل الله عز وجل عملاً ولا يكون صالحاً إلا إذا توافر فيه هذان الشرطان، ألا وهما: الإخلاص لله عز وجل، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.
والإخلاص معناه: أن لا يصرف نوعاً من هذه العبادة لغير الله.
وأما المتابعة فهي السير على المنهج الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله دون زيادة ولا نقص، ودون شطط ولا ميل، هذا هو العمل الصالح، وهذان الشرطان أشار الله عز وجل إليهما بقوله في آخر سورة الكهف حينما قال الصحابة: يا رسول الله! الرجل منا يعمل العمل يبتغي به وجه الله ويحب أن يراه الناس! فأنزل الله عز وجل شروط هذا العمل الصالح: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف:١١٠] أي: صواباً موافقاً للمنهج الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله -وهذا هو الشرط الأول- {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:١١٠] وهذا هو الشرط الثاني.
ولذلك هذان الشرطان هما معنى (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
فالشهادتان اللتان نكررهما دائماً في الأذان وفي الإقامة وفي الصلاة وفي كل حال من أحوالنا معناهما الإخلاص والمتابعة؛ لأن معنى (لا إله إلا الله): نفي كل ما يعبد من دون الله عز وجل، وأن تكون العبادة والدين لله عز وجل وحده، ومعنى (محمد رسول الله): أي: طاعته واتباعه وتصديقه وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
إذاً لو فهم المسلمون معنى (لا إله إلا الله) في أيامنا الحاضرة كما فهمها المشركون في العصر الأول في مكة لما قالها إلا من يعتقد بها اعتقاداً كاملاً، وكم من الناس اليوم من يقول: (لا إله إلا الله) وهو مع ذلك ينحني لغير الله ويخاف غير الله، ويسجد لضريح ويطوف على أعتاب ميت، ويخشع لغير الله ويذل نفسه لغير الله عز وجل، وهذا كثير جداً في أيامنا الحاضرة.
وإذا تناسينا الآلهة الحية التي تعبد من دون الله في أيامنا الحاضرة -وهذه أظنها كثيرة- فلن نتناسى عشرين ألف ضريح تعبد من دون الله في العالم اليوم كلها يحج لها الناس ويتقربون إليها بالقرابين ويطوفون حولها سبعة أشواط، ولربما لا تسمح الفرصة إلا بشوط واحد بسبب كثرة الزحام، وهذه الإحصائية قبل سنوات.
هؤلاء هم المسلمون الذين يقال عنهم في الإحصائية: إنهم مليار عندهم عشرون ألف ضريح يطاف حولها ويتمسح بأعتابها، ويتمرغ في أتربتها، ويخشع ويراق لها من الدموع أكثر مما يريقه المؤمنون حول الكعبة المشرفة.
وأكثر ما وصلت إليه الوثنية في يوم فتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة كانت لا تزيد على ثلاثمائة وستين وثناً وصنماً، أما الآن فعشرون ألف ضريح يُعبد من دون الله عز وجل!.
إذاً أين (لا إله إلا الله محمد رسول الله)؟ ثم أضف إلى ذلك البشر الذين يشرعون القوانين ويأمرون وينهون، وتستجيب لهم الأمم من دون الله عز وجل، وينحني لهم البشر، ويتمسحون بأعتابهم لطلب المال أو الجاه أو المركز أو أي أمر من الأمور، أضف هذا العدد الهائل من هؤلاء البشر إلى عشرين ألف ضريح.
إذاً نستطيع أن نقول: هناك عشرات الآلاف من الآلهة التي تعبد من دون الله في أيامنا الحاضرة والله المستعان! فلا تعجب حينما يتأخر الوعد، ولكن اعجب حينما يحقق الله عز وجل الموعود وكثير من المسلمين قد أخلف الوعد.
وخلاصة القول أن العمل الصالح هو إقامة أركان الإسلام: الشهادتين، والصلوات، والزكاة، والحج، والصيام، مع القيام ببر الوالدين، وصلة الرحم، والإحسان إلى المساكين، وحقوق الجوار، وحقوق المسلمين، كل هذه واجبات لابد من أن يرعاها المسلم من أجل أن يستجلب وعد الله عز وجل، ولو نظرنا نظرة أخرى إلى العالم الإسلامي لوجدناه قد ضيع كثيراً من هذه الواجبات العظيمة التي شرعها الله عز وجل، ولذلك كثير من المسلمين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، وكثير من المسلمين عطلوا الزكاة، وكثير من المسلمين ركبوا المحرمات، وركوب المحرمات يستلزم ترك الصالحات؛ لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده، ولذلك كم في بلاد المسلمين من بنوك الربا؟! وكم في بلاد المسلمين من وسائل الترفيه التي يقولون عنها: بريئة؟! وكم في بيوت المسلمين من الأجهزة الراقصة اللاهية اللاعبة؟! إلى غير ذلك من الأمور التي نسأل الله أن يعافينا ويعافي المسلمين من شرها ويحفظنا جميعاً بحفظه.
إذاً قوله: (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) أي: تركوا المنكرات وفعلوا الواجبات التي شرعها الله عز وجل.
وهذا الشرط إذا تحقق وقوعه تحقق الوعد الذي وعد الله عز وجل به.