إن المارقين اليوم من الإسلام يرفضون هذا الدين حينما يتعارض مع مصالحهم؛ لأن أهواءهم ومصالحهم التي تمليها عليهم الأهواء لا تقف عند حد ولا قيد، فهم يرفضون هذا الدين وهذا المنهج إذا تعارض مع مصالحهم، ولكن إذا كانت مصلحتهم من خلال هذا المنهج فإنهم يرجعون إليه، وسوف أضرب لكم أمثلة كثيرة وربما أنكم تعايشون كثيراً منها: فالعالم اليوم بأسره -إلا من حكم شرع الله- يرفض قتل القاتل، ويقول: هذا تخلف ورجعية ووحشية أن نقتل قاتلاً لنضيف إلى المقتول الأول مقتولاً ثانياً، لكن تعال معي يا أخي! حينما يريدون أن يثبتوا عرشاً لأحد منهم فإنهم يقتلون مئات البشر؛ بل ملايين البشر! وكم قتل في الحرب العالمية الأولى والثانية من البشر! فإن الدول التي تزعم أنها متحضرة، وتعتبر قتل القاتل تخلفاً، وأعظمها الدولة الكبيرة التي تفرض الآن سلطتها على العالم، فإنها في لحظة واحدة -منذ عشرات السنين قبل أن يتطور هذا العالم ويتوسع- قتلت ثمانين ألفاً من البشر الأبرياء في لحظة واحدة بالقنبلة الذرية التي ألقيت على اليابان، حتى غيرت تلك القنبلة كثيراً من معالم تلك الأرض التي سقطت عليها، لماذا هذا؟ لأنهم يريدون أن يفرضوا سلطتهم، لكن لو قيل: هذا زانٍ محصن أفسد الأعراض، ودمر الحرث والنسل، والله عز وجل أمر بقتله في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني) فإنهم يقولون: هذه وحشية، رجل فرغ شهوة من شهواته فقط، أتقبل بهذه الطريقة؟! وإذا ارتد رجل عن دينه ونريد أن نقيم عليه حد الردة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(من بدل دينه فاقتلوه)، ولكن لا أرى في العالم الإسلامي -اللهم إلا النادر القليل- من يقيم حد الردة، فلو قيل: هذا مرتد، لقيل: أنتم تحاربون الحرية الشخصية وحرية الاعتقاد، بينما هم يقتلون -كما ترون وتسمعون- الآن ملايين البشر، ففي أفغانستان وحدها قتل في أيام الحكم الشيوعي ما يقرب من مليونين من المسلمين، مع أن هؤلاء لم يزنِ منهم واحد، ولم يقتل، ولم يرتد عن دينه، ولكنهم يقولون: ربنا الله، فأبيد هؤلاء من أجل أن تفرض الشيوعية في بلادهم.
فأي ذلك أعظم هذا أو قتل مرتد يريد أن يشوه هذا الدين بعد أن هداه الله عز وجل للفطرة، فأصبح حرباً على هذا الدين، وقد يكون من أبناء المسلمين؟! وبعد ذلك يقال: إن قتل هذا وحشية وتخلف، أما قتل الملايين من البشر في سبل أخرى غير سبيل هذا الدين فيعتبر تقدماً وتطوراً وإنسانية.
وكذلك قطع يد السارق، فالله تعالى يقول:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة:٣٨]، ويأتي ذلك الرجل الكافر الملحد ويقول: إن الله يريد أن نقطع أيدي الشعب!! وما علم ذلك الملحد أن هذه اليد التي تقطع سوف تؤمن الناس على نفوسهم وعلى أموالهم مدة طويلة من الزمن، حتى قال أحد الكتاب المسلمين: إن أربع أيد قطعت في العالم الإسلامي منذ بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى نهاية القرن الرابع الهجري، وفي العالم الإسلامي كله على امتداده من الصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، وتصور يا أخي! الأربع الأيدي هذه كم أمنت العالم الإسلامي في أرجائه المتباعدة على نفسه وعلى ماله وعلى أعراضه، وهكذا فقس.