{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}[الأنعام:١]، نحمده ونشكره، ونثني عليه كما أثنى على نفسه، ونصلي ونسلم على عبد الله ورسوله محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فإن الحديث عن مشاكل المسلمين يطول، ومن يريد أن يتحدث عن مشاكل المسلمين لا يدري من أين يبدأ وإلى أين ينتهي! ولاشك أن موضوع المرأة من أهم المواضيع التي بدأ العالم يخوض فيها ويسلط الأضواء عليها، والحديث عن المرأة حديث طويل متشعب يحتاج إلى زمن ليس باليسير، وقضية المرأة قضية مهمة؛ فهي تشكل نصف المجتمع من حيث العدد، وأجمل ما فيه من حيث العواطف، وأعقد ما فيه من حيث المشكلات، وأخطر ما فيه من حيث العواقب والنتائج.
ولقد تميز عصرنا هذا بميزات أهمها: أنه عصر الدعاية والتضليل، وعصر الفتن بجميع أنواعها، وأخطرها على الرجال: فتنة النساء التي حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (فاتقوا الدنيا واتقوا النساء) فجعل الدنيا كلها في كفة، وجعل النساء في كفة أخرى؛ فالدنيا بجميع مفاتنها وما فيها من مال، ومناصب، وشبهات، وشهوات في كفة، والنساء في كفة أخرى.
كما أنه عصر برز فيه المنافقون بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وخُدع الناس بهذه الحضارة والتمدن، وصارت القيادة في كثير من المواقع في أيدي غير الأمناء، فوجهوا الحياة وجهة غير سليمة، وأظهروا عطفهم على المرأة وهُم أعداؤها! واتهموا الإسلام بأنه ضدها، وأنه يسلبها كثيراً من حقوقها! ولقد بلي عصرنا هذا أيضاً بوسائل إعلام لا تتجه وجهة سليمة، ووسائل دعايات ونشر مضلة، وازداد تأثير هؤلاء، ووصلوا في دعاياتهم المضللة إلى قعر بيوت المسلمين، مهما اتخذ المسلمون من الحيطة والحذر، وكثيراً ما كان المسلمون هم السبب في إيصال هذه الدعايات إلى بيوتهم، ومن المؤسف جداً أن كثيراً من هؤلاء الرُّعَناء من أبناء جلدتنا، ومن الذين يتكلمون بألسنتنا!! وقد حدثنا عنهم الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام بقوله:(دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها)، ومما لا شك فيه أن هذه الفترة التي نعيشها هي تلك الفترة التي كان يعيش فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحينما نريد أن نتكلم عن المرأة نجدها اليوم قد صارت لعبة بأيدي العابثين والحاسدين، وقد تجرءوا عليها باسم حقوقها وحريتها وإنسانيتها وما إلى ذلك، فهم يريدون منها أن تكشف وجهها أولاً، ثم يريدون منها أن تتبرج بعد ذلك وتبدي زينتها؛ لتكون -في نهاية الأمر- صيدهم وفريستهم، وليحصلوا عليها بسهولة.
وإذا ناقشتَ هؤلاء وبيّنتَ لهم وجهة الإسلام في هذه الناحية قالوا: أنت متخلف!! أنت رجعي!! أنت عدو للمرأة!! أنت سفيه!! {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ}[البقرة:١٣].
وإذا قيل لهؤلاء لماذا تقلدون الكفرة وقد أمرنا الله عز وجل باتباع سبيل المؤمنين، ونهانا عن اتباع الكافرين، وقال {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}[هود:١١٣]؟ قالوا: هؤلاء صنعوا معجزات على ظهر الحياة! وما علم هؤلاء أن أولئك يضربون يداً بيد على ما كسبت أيديهم في شأن المرأة.
ولقد سلك هذا المسلك المنحرف أمم من قبلنا، فعضّوا أصابع الندم، وانفلتت من أيديهم أزمّة الأمور، وصاروا يودون لو تعود المرأة إلى السبيل القويم، وتبقى في بيتها، وهيهات لهم ذلك.
لقد حدث هذا في بلاد الغرب وفي بلاد الشرق أيضاً، بل وفي البلاد الإسلامية التي سبقتها إلى هذا النوع من الحضارة المزيفة، أو خطط الاستعمار مسيرتها من أجل أن يقذف بها في مكان سحيق، حتى إنك لا تكاد -وأنت في كثير من البلاد الإسلامية- تجد فرقاً واضحاً بينها وبين بلاد الكفر!! لأن الاستعمار هو الذي خطّط ورسم منهج الحياة فيها، ولقد بُلي عالمنا بالتقليد الأعمى، فلا يكاد المترفون يرون أو يسمعون بما في بلاد الكفر إلا ويريدون أن يوجد مثله في بلادهم! ومما يسر لهم ذلك انتشار وسائل الاتصال بأنواعها، ووسائل التنقل بين أجزاء هذا العالم، مما ييسر انتقال هذه العدوى، فتشابه هذا العالم كافره ومسلمه في كثير من الأشياء، حتى في الأزياء والعادات.