إنّ الأمر الذي يهمنا: أننا الآن نعيش فترة عام جديد، ونبتدئ فترة من فترات العمر الثمين، فلا بد أن نقف فيها لحظات من الزمن للتفكير، وكل واحد منا يستعرض صحائف الأعمال وكأنها منشورة أمامه، ويقول لنفسه: أنا عملت في العام الماضي كذا وكذا وكذا، فالتوبة التوبة، وقصرت في جنب الله في العام الماضي في كذا وكذا، وأولادي لم أُربّهم في العام الماضي على طاعة الله، وكانت في بيتي أفلام وصور وكتب ضلال ومحرمات وغير ذلك، فهل هذه تقربني إلى الله أو تبعدني من الله عز وجل؟ وقد فرطت في الأمانة، فأنا مدرس مؤتمن على أبناء المسلمين ومع ذلك ما كنت أقوم بالنصيحة لهم، وما كنت أقوم بتربيتهم، وأنا إمام مسجد ولم أتفقد جيراني والمصلين معي، وهذه كلها أخطاء لا بد أن أصلحها في هذا العام الجديد، ولم أكن أقوم في العام الماضي بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وفي مثل هذه الأيام بصفة خاصة، لأن هذه الأيام تعتبر مفرقاً بين طريقين: أجل قد مضى لا ندري ما الله صانع فيه، وأجل قد بقي لا ندري ما الله قاض فيه.
ولذلك: فعلى كل واحد منا أن يقف ساعة مفكراً بينه وبين نفسه: ماذا عمل؟ وماذا ترك؟ وهل أعماله ترضي الله عز وجل، أو أنها مما يغضبه سبحانه؟ فلا بد أن يبادر بالتوبة، وما يدريك يا أخي! ربما يكون هذا العام هو آخر أيامك في هذه الحياة، بل ربما تكون هذه الليلة هي آخر ليلة لك في الحياة، وكم من الناس من ينام على فراشه الوثير آمناً مطمئناً، فلا ينتبه إلا في يوم الحشر! وكم من الناس من يعيش مع زوجته وأهله في رغد من العيش، وفي نعمة، وفي فرح وسرور، ثم إذا به لا ينتبه إلا في ظلمة القبر! وهذا أمر مؤكد لا ينكره أحد من الناس، بل يؤمن به المؤمن والكافر، أعني: الموت.