[فضل عشر ذي الحجة وبعض أحكامها]
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! اتقوا الله تعالى، واقدروا للأشهر الحرم قدرها، واقدروا لعشر ذي الحجة قدرها؛ فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:١ - ٢]، قال طائفة من المفسرين: هذه الليال العشر هي عشر ذي الحجة.
وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من أيام العمل فيها أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشرة -يعني عشرة ذي الحجة- قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء).
إنه فضل عظيم يرشدنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد سن صيام هذه الأيام العشرة، وأمر بالاجتهاد بالأعمال الصالحة فيها، ومن أهم هذه الأعمال: إحياء سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم غفل عنها الكثير من الناس، فكان الرسول والصحابة معه إذا دخلت أول ليلة من عشر ذي الحجة يرفعون أصواتهم بالتكبير: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
يرددون هذه الكلمات، وفي غمرة هذه الحضارة التي نعيشها اليوم غفل كثير من الناس عن هذا التكبير، فكانت سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكاد اليوم أن تنسى، وإن من أحياها فإن له أجراً عظيماً؛ لأنه دل الناس على هدى النبي صلى الله عليه وسلم.
إن علينا أن نحيي هذه السنة، وأن نرفع أصواتنا بها في الأسواق، وفي مجامع الناس، وفي المساجد، في كل ساعة من الساعات نكرر هذا التكبير بقدر ما أوتينا من وسع.
أيها الإخوان! ولقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن من أراد أن يضحي فإنه لا يجوز له أن يمس شعره أو بشرته منذ أول ليلة من ليالي هذه العشر إلى أن يذبح أضحيته.
إن أصدق الحديث كتاب الله، وإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارض عن آله وأصحابه وأزواجه، اللهم وعنا معهم، وارزقنا حبهم، واجمعنا بهم في مستقر رحمتك.
اللهم إنا نتوجه إليك في هذه الأيام المباركة، ونسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وتوحيدك أن تؤيد المسلمين بنصر منك.
اللهم رد المسلمين إليك رداً جميلا، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، اللهم أيد المجاهدين في كل شبر من أرضك الواسعة، اللهم وعليك بأعدائهم الذين يحاربون هذا الدين، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، وأسقط عليهم كسفاً من السماء، واجعل لنا فيهم آية وعظة وعبرة.
ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين، واجعل ولايتنا وجميع أمورنا وأمور عبادك المسلمين في عبادك الصالحين، الذين يصلحون في الأرض ولا يفسدون.
اللهم إنا نشهدك ونشهد ملائكتك وعبادك الصالحين أننا ننكر كل معصية لا نستطيع أن نغيرها، فلا تؤاخذنا بما كسبت أيدينا، ولا بما فعل السفهاء منا، واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:٤٥].