إن التقوى مطلب عظيم لابد أن يتحلى به المسلم طول حياته، والصيام يعود الناس على التقوى والطاعة لله عز وجل، ولذلك يقول سبحانه:{كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:١٨٣].
ثم أيضاً لابد لهذا الإنسان أن يكون أميناً على شهواته؛ ليكون بعد ذلك أميناً على قيادة الحياة كلها، وعلى عمارتها، ولكنه حينما يكون خائناً لربه، خائناً لنفسه، حينما يخلو بشهوته في وقت لا يطلع عليه إلا الله عز وجل، حينما يخون هذه الأمانة، فإنه خائن للحياة كلها، ولا يصلح أن يتولى أمراً من أمورها صغيراً كان أو كبيراً، لذلك كان من أكبر أهداف الصوم: تعليم الإنسان الأمانة على الحق، فحينما يخلو بشهوته، وحينما ينفرد في قعر بيته، قد أسدل الأستار بينه وبين الناس في لحظة لا يطلع عليه فيها إلا الله عز وجل، ثم يدع هذه الشهوة من أجل الله عز وجل وحده، فإنه حينئذ هو الرجل الأمين الذي يصلح للحياة، ولذلك جاء في الحديث القدسي فيما رواه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال:(كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به؛ يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، يقول عليه الصلاة والسلام:(فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتان ترضون بهما ربكم، وخصلتان لا غنى لكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله وحده، وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى لكم عنهما: فتسألونه الجنة، وتعوذون به من النار).
ويقول عليه الصلاة والسلام:(إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، فلا يغلق منها باب، وغلقت أبواب النار، فلا يفتح منها باب، وصفدت مردة الشياطين).
ويقول عليه الصلاة والسلام:(إن في الجنة باباً يقال له الريان، لا يدخل منه إلا الصائمون، فإذا دخلوا منه أغلق فلا يدخل منه أحد غيرهم).
معشر المسلمين! هذه هي حقيقة الصيام، وهذا هو الصوم الحق، فليس الهدف منه إيلام النفوس وإيذاءها، إنما الهدف ترويضها وتربيتها على طاعة الله عز وجل, فليس من الصدف أن يفرض الصيام في السنة الثانية من الهجرة، وتكون أول معركة للجهاد في سبيل الله يرتفع فيها علم الإسلام في السنة الثانية من الهجرة؛ إذ لم تمض إلا أيام قلائل تعد بالأصابع بعدما فرض الصيام إلا وكانت معركة بدر الكبرى؛ حيث تغلب الناس على شهواتهم، وأصبحوا أقدر على عدوهم من عدوهم عليهم.