والاستقامة حقيقتها: سلوك الطريق المستقيم، وأن نعرف أن في هذه الحياة طريقاً مستقيمة، وفيها طرقاً معوجة، ونفهم أن الطريق المستقيمة هي طريق واحدة، وأن الطرق المعوجة كثيرة جداً، ويدلنا على ذلك ما في آخر سورة الأنعام، قول الله عز وجل:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}[الأنعام:١٥٣]، ولذلك لما قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية في سورة الأنعام خط خطاً طويلاً مستقيماً وقال:(هذا صراط الله، وخط عن يمينه وشماله خطوطاً صغيرة وقال: هذه السبل، وعلى كل واحد منها شيطان، وعليها ستر مرخاة، وعليها شياطين يدعون إليها، وعلى الصراط المستقيم داعٍ إذا أراد أحد أن يسلك أحد هذه الطرق ناداه: يا عبد الله! لا تسلكه فإنك إن تسلكه تلجه، وإن ولجته لا تنتهي منه إلى يوم القيامة) أو كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك يقول الله تبارك وتعالى:(فاستقم) يعني: ابحث عن الصراط المستقيم.
ثم نجد أن الطريق المستقيم واحد، وأن الطريق المنحرفة كثيرة التشعب، وهذا لا يحتاج إلى بحث وتفكير بعيد، لو رأيت الآن هذا العالم الذي يسلك طرقاً منحرفة كثيرة، ولا يجد أمامه طريقاً مستقيماً إلا طريقاً واحدة، فهمت معنى هذه الآية، وفهمت حقيقة الطرق المنحرفة؛ ولذلك بمقدار ما ينحرف الإنسان عن هذه الطريق المستقيمة يجد أن أمامه متاهات وطرقاً كثيرة منحرفة تتلقفه، ويتخبط فيها لا يكاد يخرج من طريق حتى يقع في طريق أخرى يضل من خلالها.
وعلى هذا فإن طريق الجنة واحد، ولذلك تجدون في الحديث الصحيح كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) هي صاحبة الطريق المستقيم، أما الاثنتان والسبعون فهم أصحاب الطرق التي تلف يميناً أو شمالاً عن الطريق المستقيمة.
(قالوا: من هم يا رسول الله؟! قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي).
وعلى هذا فإن البحث عن الطريق المستقيمة لا يكلف المسلم جهداً طويلاً وإنما يبحث ماذا كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يزيد ولا ينقص، إن نقص فهو عاص، وإن زاد فهو مبتدع.
فهذه هي حقيقة الاستقامة أي: سلوك الطريق المستقيم الذي نسأل الله في كل صلاة أن يهدينا له، وأن يثبتنا عليه، وأننا إذا زغنا عنه نسأل الله العافية والسلامة، فأمامنا طريق المغضوب عليهم، وطريق الضالين، والمغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى، والصراط المستقيم الذي نقول فيه:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة:٦] هو طريق الجنة؛ لأنه طريق غير معوج، ولذلك تلاحظ وأنت تسير في هذا الطريق أن فيه الاستقامة، وتدرك فيه عدم الاعوجاج، بالرغم من أن هناك أقواماً هم أعداء للبشرية يريدون أن نضل الطريق:{وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا}[الأعراف:٤٥] كما قال الله عز وجل.