للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى)]

ثم قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} [النساء:١١٥].

ما معنى (يُشَاقِقِ)؟ أي: يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم في شق وهو في شق آخر، أي: يسير في طريق غير الطريق التي سار فيها محمد صلى الله عليه وسلم، يقول: نور قلبي يا نور السماوات والأرض! يا أول المخلوقات! يا من خلق من نور! لكنه في شق والرسول صلى الله عليه وسلم في شق آخر، هذا هو الذي شاقق الرسول صلى الله عليه وسلم وإن ادعى المحبة فإنها محبة عاطفية، (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى)، فدين الإسلام وضح لهؤلاء الناس كل طريق.

هل تظنون أن الله عز وجل الذي بعث لنا الرحمة محمداً صلى الله عليه وسلم، فعلمنا كيف ندخل الحمام وكيف نخرج، وكيف نلبس النعل والثوب؛ أتظنون أنه يعجز عن تعليمنا أصول ديننا؟ فيعلمنا أن هناك رجبية في ليلة سبعة وعشرين من رجب، يذهب الناس إلى مكة والمدينة يحيون ليلة المعراج كما يقولون، وليلة المولد يحيونها، وما فعلها أبو بكر ولا عمر ولا عثمان وعلي، وكذا غيرها من الأمور والعبادات التي أصبح الدين بها مطاطاً الآن في نظر الناس، مع أن الدين مقفل قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:٣].

هل من المعقول أن محمداً صلى الله عليه وسلم الذي علمنا كيف ندخل الحمام لا يعلمنا كيف نعبد الله بأمور تمس العقيدة وأصول الدين؟! إذاً: هذا مستحيل، ولذلك نقول لمن سلك غير طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحدث عبادة ولو كانت عبادة ترضي الله في الظاهر أجمع علماء المسلمين على أن الأصل في العبادات التحريم، وأنه لا يجوز لأحد أن يحدث أية عبادة إلا إذا شرعها الرسول صلى الله عليه وسلم، أو فعلها الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم، الذين قال عنهم الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ)، متى كان أبو بكر وعمر يأتون من المدينة إلى مكة في ليلة سبعة وعشرين من رجب؟! ومتى كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم يحيون ليلة الميلاد إلى غير ذلك من الأمور التي أحدثها الناس اليوم؟ الفرق بعيد يا إخوتي والله بين الناس وبين سنة الرسول صلى الله عليه وسلم التي مات وتركنا عليها، وهي: محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

يقول الله عز وجل عن البدعة: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:١١٥]، والله لو كان راكعاً ساجداً لله عز وجل بالليل والنهار صائماً طيلة النهار، ما دام أنه يشاقق الرسول، ويتبع غير سبيل المؤمنين، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، و (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)، أمة الإجابة ليس أمة الدعوة، أمة من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، كلها في النار إلا واحدة من ثلاث وسبعين فرقة، قيل: (من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي).

إذاً: يا أخي! أنت لست بحاجة إلى أن تذهب بعيداً، انظر أي عبادة أحدثها الناس اليوم، اعرضها على فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى الصحابة من بعده، إن كانوا فعلوها فهي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، احملها على رأسك، وإن لم يفعلوها ولو كانت عبادة في ظاهر الأمر فارفضها؛ لأن اثنتين وسبعين فرقة من أمة الدعوة والإجابة كلها في النار، وواحدة في الجنة، وهي من كان على مثل ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

المسألة يا إخوتي ليست مسألة أذواق، كلما أعجبنا شيء قلنا: هذه بدعة حسنة، ما هي البدعة الحسنة؟ أين موقع البدعة الحسنة في دين الله؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في كل جمعة على المنبر: (ألا إن كل محدثة في دين الله بدعة! ألا أن كل بدعة ضلالة! ألا أن كل ضلالة في النار)، متى كانت هناك بدعة حسنة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل بدعة ضلالة)؟! ليست هناك بدعة حسنة.

إذاً: العبادات يا إخوتي دائرة مقفلة، أقفلها الحبيب عليه الصلاة والسلام ليلة عرفة في حجة الوداع، في آخر آية نزلت من القرآن: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:٣]، فأي عبادة تحدث بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يجمع عليها الخلفاء الراشدون الأربعة فإننا نعتبرها بدعة، وليست عبادة ولو كانت صلاة وصياماً وطاعة، فمن قال إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم رجباً؟ إذاً نقول: حتى العبادات التي ترهق الإنسان وظاهرها الصلاح، ما دام أنه ما فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة الخلفاء الراشدون من بعده فنعتبرها ضلالة، وكل ضلالة في النار ولو كانت عبادة، وكم من عابد أحدث في دين الله عز وجل فهو يحاسب عن ذلك يوم القيامة.

يقول الله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى)، القرآن واضح والسنة واضحة: (نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى)، نوجهه الطريق التي يريد في الدنيا، وفي الآخرة (نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا).