للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اجتناب الشرك بالله جل جلاله]

ثم قال تعالى في صفات عباد الرحمن {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان:٦٨].

أي نوع من أنواع الآلهة يُدعى من دون الله فهذا هو الشرك الأكبر، وهذه الآلهة كما نعرفها أنواع، ويظن بعض الناس أن الآلهة التي تُعبد من دون الله هي الأصنام، كالأصنام التي وضعها المشركون في الجاهلية، ونسوا أن عبادة الأصنام تتنوع في كل عصر وفترة، ففي أيامنا الحاضرة جاءت عبادة الأضرحة، وما يُسمى بالأولياء والصالحين، حتى بلغت عدد الأضرحة التي تُعبد في أيامنا الحاضرة ما يزيد على عشرين ألف ضريح! وكلها تعبد من دون الله تعالى، ويحج لها الناس من جميع بلاد العالم، ويتقربون إليها بالقرابين، ويذبحون حولها الذبائح، ويطوفون حولها، ويركعون ويسجدون ويخشعون ويتضرعون لها من دون الله عز وجل، وهذا نوع مما يعبد من دون الله.

وهناك آلهة أحياء تعبد من دون الله، وهذه لا تقل مصيبتها عن الآلهة السابقة، فكم من البشر من وضع نفسه إلهاً يشرع للناس، ويأتي بقوانين وأنظمة ليست من شرع الله عز وجل بشيء، ثم يقسر هؤلاء الناس أو يدعوهم إلى إتباعها من دون شرع الله عز وجل، وهذا أيضاً أمر خطير، فالله سبحانه وتعالى يقول: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:٣١]، ولما نزلت هذه الآية قال عدي بن حاتم رضي الله عنه: (والله -يا رسول الله- ما كنا نعبدهم، قال: أليسوا يحرمون ما أحل الله ويحلون ما حرم الله فتطيعونهم؟ قال: نعم، قال: فتلك إذاً عبادتهم)، فطاعة أولي الأمر في معصية الله عز وجل وطاعة أصحاب القوانين والأنظمة التي تتنافى مع شرع الله عز وجل تعتبر نوعاً من العبادة، وأصحاب هذه الأنظمة وتلك القوانين التي يشرعونها في المجتمعات ويطلبون من أصحاب المجتمعات أن يتبعوها من دون شرع الله أو يقسروا الناس عليها قسراً هم طواغيت، بل هم رءوس الطواغيت؛ لأن الله تعالى سماهم كذلك، بل إن الذين يتبعون هذه الأنظمة ويسلكون مسلكها من دون شرع الله وينقادون لها أيضاً هم عصاة مرتدون عن الإسلام، كما قال سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا} [النساء:٦٠]، فالمسألة خطيرة.

إذاً عبادة الله هي توحيده بالطاعة، فلا يحني هذا الإنسان رأسه لغير الله عز وجل، ولا يخضع لأي أمر لا يتفق مع أوامر الله سبحانه وتعالى، ولا يطوف بقبر ميت أو يتمسح بأعتاب حي من دون الله عز وجل، وعليه أن يثق بالله عز وجل، فبيده الخير، وهو الذي يرزق ويحيي ويميت، وبيده الآجال، قال عز وجل: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:٦]، فلن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، وحينما يصل الإنسان إلى هذه الدرجة يعرف الله عز وجل حق المعرفة، وحينئذ يكون قد تخلص من عبادة غير الله سبحانه وتعالى.