[ظاهرة تعلم العلم لغير الدين وما يترتب على ذلك]
قوله صلى الله عليه وسلم: (وتعلم لغير الدين) من أسباب العذاب أن يطلب العلم لغير الدين.
وهذه معجزة عجيبة، فما كان في العصور الأولى أحد يفكر أن يفهم معنى: (وتعلم لغير الدين)؛ لأنهم كانوا لا يطلبونه إلا للدين ورضا الله عز وجل ولمعرفة الله ولعبادة الله، ثم حدث حدث خطير فتعلم لغير الدين، وأصبحت هناك منافسة على الشهادات وحب البروز والظهور، والتنافس على الوظائف والمراكز، وأصبح كثير منهم يتعلم حتى علم الشرع لغير الدين، وإذا قيل له: لماذا؟ قال: أريد أن أؤمن مستقبلي وأؤمن حياتي.
ويقصد بحياته ومستقبله الحياة الدنيا.
السعي للحياة الدنيا أمر مطلوب، أما أن يتخذ طلب العلم الشرعي الذي به يعرف الله ويعبد الله عز وجل لهدف من أهداف الدنيا فيعتبر ذلك بداية النهاية، وأعرف رجالاً كثيرين درسوا في كليات الشريعة ودرجوا في هذه الحياة منذ عشرات السنين، وكنا نظن أنهم سوف يغيرون وجه التاريخ حينما يكونون رجال علم وأصحاب مناصب إلى غير ذلك، وسيعيدون الإصلاح للأمة، وإذا بهم يقفون عند حد الوظيفة، ثم لا يفكر أحدهم إلا في ترقية، أو في مرتبة، أو في سمعة، أو في شرف، وذلك أخطر ما يكون على هذا الإنسان، يقول عليه الصلاة والسلام: (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لِدِينِه).
أيها الأخ الكريم! إذا تعلم لغير الدين، وإذا ذاب علماء المسلمين في المجتمع، وإذا أصبح الناس يتنافسون في الشهادات، وإذا أصبح طالب العلم يطلب العلم ليباري العلماء أو ليماري السفهاء فإن الأمر خطير.
أخي! إذا عرفت شريعة الله عز وجل من خلال جامعة أو كلية أو مدرسة فإن عليك أن تبلغ ما عرفته؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (بلغوا عني ولو آية) (رب مبلغ أوعى من سامع)، أما أن ينتهي الأمر بهذا الإنسان الذي أمضى سنوات طوالاً من عمره في العلم إلى أن يذوب في المجتمع فلا نرى له أثراً، ولربما لا تمضي عليه إلا مدة وجيزة حتى ينسى كل ما تعلمه من شرع الله عز وجل؛ لأنه لم يتحرك بهذا العلم، وكذلك تراه يشاهد الأمم وهي تتهاوى في الحضيض بسبب الجهل والمعاصي، ثم لا نسمع له صوتاً يقول فيه كلمة الحق، بالرغم من أنه خريج كلية الشريعة، أو أصول الدين، أو نال شهادة الماجستير في هذا المستوى، أو ما فوق ذلك من الدكتوراه أو غيرها من الشهادات العملاقة التي يتسابق ويتنافس عليها الناس، ثم حين تعلم لغير هذا الدين أصبحت بركة هذا العلم مسلوبة، وأصبح هذا العلم لم ينتفع به حتى صاحبه، أو لربما انتفع به بمفرده بحيث لا يستفيد منه هؤلاء الناس، وهذا العلم سيكون حجة على هذا الإنسان يوم القيامة.
إذا تعلم لغير الدين فإن ذلك يعتبر بادرة من بوادر العذاب من الله عز وجل.
فلا تعجب -أيها الأخ- وأنت ترى هذه الجامعات الإسلامية في العالم وهي لا تحصى في عددها، وتنتج سنوياً الأعداد الهائلة من هؤلاء الشباب المثقفين ثقافة إسلامية، والمتعلمين علماً شرعياً، ثم لا نرى من يعتلي هذه المنابر ليقول كلمة الحق لهؤلاء الناس إلا الندرة القليلة مما جعلهم محط أنظار الناس، فأصبحوا معرضين لأشياء كثيرة.
نحن نطالب جميع العلماء ونطالب الذين عرفوا شرع الله عز وجل أن يبلغوا هذا الدين تبليغاً كاملاً، أما إذا كان هدفهم فقط هو الدنيا فإن أول من تسعر به النار يوم القيامة ثلاثة، رجل قرأ القرآن وحفظه وعلمه غيره، لكنه لغير الله، فهذا يوقفه الله عز وجل بين يديه يوم القيامة فيسأله، ثم يأمر به فيسحب إلى النار نعوذ بالله من ذلك.
إذاً لا بد من إخلاص النية لله عز وجل، والله تعالى يقول: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة:٢٨٢].