تمر أحاديث نبوية عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها نفي، فنود من فضيلتكم تفسير هذا النفي هل هو على إطلاقه أم لا؟ منها:(من مس الحصى فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له)، ومنها:(لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)، ومنها:(لا يدخل الجنة رجل في قلبه ذرة من كبر)؟
الجواب
هذه الأحاديث صحيحة، لكن العلماء اختلفوا في تأويلها؛ لأن بعضها ينفي الإيمان، وبعضها ينفي الجمعة، وبعضها ينفي أشياء أخرى، فبعض العلماء له تأويل في هذه الأحاديث؛ لأنها أحاديث صحيحة لا شك في صحتها.
فقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)، بعض العلماء أخذه على ظاهره، كالإمام ابن تيمية رحمة الله عليه، وقال: كل إنسان يستطيع أن يصل إلى المسجد ويصلي منفرداً فصلاته غير صحيحة.
ويعتبر الصلاة في المسجد شرطاً من شروط الصلاة؛ كالوضوء، واستقبال القبلة، وستر العورة، وما أشبه ذلك، وجمهور العلماء يؤولون مثل هذا، ويرون أن قوله:(لا صلاة)، أي: لا صلاة كاملة؛ لأن صلاة الجماعة ليست بشرط، وإنما هي واجبة وفريضة، فإذا صلى المرء في بيته فصلاته صحيحة، لكنه قد عمل محرماً إذا لم يكن له عذر في تركه الصلاة مع الجماعة.
وقوله صلى الله عليه وسلم:(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وقوله:(لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، قال بعض العلماء: هذه جرت مجرى الوعيد، وآيات الوعيد وأحاديث الوعيد أيضاً كثيرة، ولعل ذلك فيمن استحل الكبر؛ لأن الكبر من أكبر الذنوب المحرمة، واستحلاله يعتبر ردة عن الإسلام؛ لأنه محرم بالإجماع، وكل محرم بالإجماع فإن استحلاله كفر وردة عن الإسلام، فلعل هذا فيمن استحل الكبر، أو أن هذا جرى مجرى الوعيد.
وعلى هذا فكل ما ورد بلفظ:(لا يؤمن)، (لا يدخل)(لا جمعة له) ونحو ذلك، كل هذا لعله يؤول، كقوله صلى الله عليه وسلم:(ومن لغا فلا جمعة له)، فبعض العلماء قال: هو على حقيقته، فمن عبث بالحصى، والإمام يخطب، فإنه تفسد جمعته، وكأنه لم يصل الجمعة، ولعله يكتب له أجر الظهر، وبعضهم رأى أن هذا جرى مجرى الوعيد، كما ورد أيضاً:(إذا قلت لأخيك: أنصت أو اسكت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت، أو لا جمعة لك)، كل هذا يجرونه مجرى الوعيد، وبعضهم يجريه على ظاهره، فيقول: معنى (لا جمعة له) أي: سقط منه أجر الجمعة، لكن برئت ذمته من صلاة الجمعة.