للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجود المنافقين]

نعود إلى حديثنا ونقول: في طريق الجنة عقبات، وفي طريق الجنة وحوش، وفي طريق الجنة سجون، وفي طريق الجنة إراقة دماء، وفي طريق الجنة أذىً، وفي طريق الجنة مصائب ومشاكل، وليس معنى ذلك أن الله تعالى يريد أن يحرم هؤلاء الجنة، ولكن كما قال الله تعالى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال:٣٧].

ولكن هذه العقبات بمقدار ما تزيد في فترة من فترات التاريخ يقتحمها المسلمون ويزيد إيمانهم ويقينهم بالله عز وجل، ولذلك الله تعالى يقول لنا في القرآن: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ} [الأحزاب:٢٢] أي: الأحزاب التي تجمعت من جميع بلاد الكفر لتحيط بالمدينة.

وهي كالأحزاب الموجودة عندنا الآن، فكان هناك أحزاب من الداخل في المدينة، وكان المشركون والوثنيون ونصارى العرب يطوقون المدينة من الخارج، وكان المنافقون واليهود يهزون الأمور من الداخل، كما يوجد في أيامنا الحاضرة سواء بسواء، قال عز وجل: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [الأحزاب:٢٢]، وما قالوا: سوف ننسحب من المعركة، فأعداء بالداخل وأعداء بالخارج كيف نستطيع لهم جميعاً؟ وهل سنتغلب على عدو يأتينا من الخارج وعدو من الداخل لا ندري أيهما نقدم وأيهما نحارب؟ بل الذي حصل أن المؤمنين لما رأوا هذه الواقعة قالوا: هذا ما كنا ننتظره، كنا ننتظر هذا اليوم، وجاء هذا اليوم، ولذلك فلا خيار لنا في هذا اليوم، قال عز وجل عنهم: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [الأحزاب:٢٢]، ما الذي حدث؟ {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:٢٢] أي: إيماناً بوعد الله عز وجل، وتسليماً لقضاء الله عز وجل وقدره.

ثم بعد ذلك انقسموا إلى قسمين: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} [الأحزاب:٢٣] يعني: منهم من قتل في هذه المعركة ومنهم من ينتظر دوره في الشهادة في سبيل الله؛ لأن تواجد الأحزاب في الداخل والخارج -كما يوجد في أيامنا الحاضرة- هو الذي حرك همة المؤمنين إلى أن يقولوا: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [الأحزاب:٢٢] ثم أيضاً هو الذي حرك المؤمنين لأن يستميتوا في الجهاد في سبيل الله.

واليوم يعيد التاريخ نفسه، ويأتي يوم يشبه يوم الأحزاب إن لم يكن أشد، فهناك عدو من الخارج يطوق الجزيرة العربية، وهناك أعداء من الداخل يريدون أن يهزوا المسلمين داخل الجزيرة العربية ويستغلوا الفرص، وهذا هو منهجهم وديدنهم، فإذا رأوا العدو الخارجي تحرك فإنهم يتحركون، كما كان يتحرك المنافقون واليهود داخل المدينة يوم غزوة الأحزاب من أجل أن يهزوا المسلمين، حتى يتغلب العدو الخارجي، وهذا هو منهجهم.

ولذلك لا تعجب حينما ترى البلاد التي يطوقها العدو من الخارج يتحرك فيها الجرذان والمفسدون في الأرض من الداخل؛ لأن الله تعالى يقول: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الجاثية:١٩]، فالذين في الداخل أولياء الذين في الخارج، والكفر ملة واحدة، والردة عن الإسلام منهج واحد، وليس هناك طريق للجنة إلا طريق واحدة، ومن بحث عن طريق أخرى فإنه لن يجد ذلك، كما قال عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:١٥٣].

إذاً هناك عقبات، وهذه العقبات تزيد في مثل أيامنا الحاضرة وربما نتعرض لذكر شيء منها حسب ما يتسع له المقام، ونسأل الله التوفيق.