الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونشهد أن لا إله إلا الله، حكم بالعزة له ولرسوله وللمؤمنين، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الذي جاهد في الله حق جهاده، فبلغ رسالة ربه، وأدى الأمانة ونصح الأمة، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن آله ومن دعا بدعوته وعمل بسنته ونصح لأمته إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الإخوة في الله! إن الحديث عن الغربة حديث يؤلم القلب ويجرح النفس، لكنه حديث عن الواقع، ولذلك فإن المسلم لا يجوز له أن يكون نصيبه من هذا الدين هو التلاوم والتباكي على الواقع المرير الذي يعيشه العالم الإسلامي؛ لأن ذلك لن يحول بين الناس وبين عقوبة الله عز وجل، فالله تعالى يقول:{فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}[الأعراف:٥]، وذكر بعد ذلك ما حل بهم من النكال والعذاب حيث قال:{جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ}[الأنبياء:١٥].
فالتلاوم لا يغني من الله شيئاً، ولكن المسلم مطالب في أن ينظر في الواقع، ثم عليه أن يغير في نفسه وفي بيته وفي مجتمعه وفي الناس أجمعين؛ لأنه تحمل هذه الأمانة التي وضعها الله تعالى في عنقه.
أما الحديث عن الغربة بمعناها اللغوي، فمعنى الغربة: أن يكون الشيء غير مألوف في مكانه أو في زمانه، ولذلك فإن غربة الإسلام معناها: أن يكون الإسلام غير مألوف في مكانه أو في أرضه أو في زمانه في فترة من الفترات، ولذلك فإن منطلقنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:(بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء)، وفي رواية:(الذين يصلحون إذا فسد الناس)، وفي رواية أخرى:(الذين يصلحون ما أفسد الناس)، ولذلك فإن حديثنا عن هذا الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيكون الحديث في هذا الموضوع مكوناً من خمسة منطلقات: المنطلق الأول: الغربة الأولى.
المنطلق الثاني: موقف سلفنا الصالح من تلك الغربة.
المنطلق الثالث: كيفية اجتياز سلفنا الصالح لهذه الغربة.
المنطلق الرابع: شدة الغربة وقسوتها في أيامنا الحاضرة.