للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصنف السابع: المتكبرون المتغطرسون]

هذا النوع السابع من أنواع البشر مذكور أيضاً في سورة الحج بعد من سبقهم، قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الحج:٨ - ٩]، هذا النوع من البشر يجادلون في الله أيضاً، وأيضاً ليس لديهم علم ولا إدراك، وأحدهم لا يستطيع أن يعرف كيف يضبط الصلاة، أو كيف يؤدي العبادة، ومع ذلك يجادل في الله بغير علم ولا هدى، ليس عنده علم ويقين يستطيع أن يجادل به، وليس عنده هدى من الله؛ لأنه ضال، (وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ)، ليس عنده حجة ولا كتاب يستدل به، ما هي صفة هؤلاء؟ (ثَانِيَ عِطْفِهِ)، متكبر متغطرس، هذه صفة هؤلاء: أنهم متكبرون متغطرسون متكبرون على الله، حتى إن أحداً منهم لا يريد أن يركع لله عز وجل ركعة، أو يحني ظهره، أو يضع وجهه على الأرض، وهو أيضاً متكبر على خلق الله عز وجل؛ يحتقر المؤمنين، ويضحك منهم ويسخر بهم انظر إلى لحية فلان، وانظر إلى ثوب فلان القصير، وانظر حتى رأينا السخرية في دين الله عز وجل قد بلغت ذروتها في أيامنا الحاضرة، ورأينا الآباء يسخرون بأبنائهم -نعوذ بالله- في بعض الأحيان، ويقول: إن ابنه هذا موسوس، وهذا فيه بلاء! يا أخي! أما تريد أن يكون لك هذا الولد لتقر عينك به في الدنيا والآخرة؟! وإذا وضعت في قبرك وانقطعت أعمالك تكون لك أعمال صالحة ترجو ثوابها عند الله عز وجل يوم القيامة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، ثمرة تدر عليك مدى الحياة، ولذلك وجدنا الكثير من الآباء يضغطون على أبنائهم في أيامنا الحاضرة بدعوى الخشية أن يكونوا مثل فلان أو فلان من الموسوسين، وأخشى على هؤلاء من الردة، والله تعالى قد أخبرنا بأن هؤلاء الذين يطعنون في دين الله ليسوا كفرة فحسب بل هم أئمة الكفر، فالله تعالى يقول: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة:١٢]، وفي قراءة: (إنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون)، ولذلك رأينا هذه السخرية تحكي لنا قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين:٢٩ - ٣٣].

هذا الجدال الذي أدى إلى الكبرياء والغطرسة؛ فأصبح يرى نفسه كالجبل، ويرى الناس تحت قدمه كالذر، وهذا من أخطر الأمور التي ابتلي بها البشر.