[الصنف الحادي عشر: من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله]
هذا النوع مذكور في سورة لقمان:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}[لقمان:٦].
الحقيقة أن هذا النوع من البشر أيضاً عجيب أمره، فهو يشتري لهو الحديث بماله، ويبذل فيه ثمناً غالياً نفسياً، واختلف أهل التفسير في المراد بلهو الحديث، إلا أن أكثر ما أميل إليه هو قول عبد الله بن مسعود:(والله إنه الغناء، والله إنه الغناء، والله إنه الغناء: هو لهو الحديث)، ولعل هذا الرأي يكون وجيهاً حينما نرى كيف يشترى في أيامنا الحاضرة لهو الحديث، فنرى أن لهو الحديث يباع بأثمان باهضة، لو نظرنا مثلاً كم تبذل دول العالم الإسلامي على التلفزيون وأفلامه، وقلنا: هل ما يبذل على الأفلام وعلى الأجهزة التي تشترى في البيوت، والأشرطة التي تباع بأثمان باهضة، وأفلام الفيديو التي تفسد الأخلاق والمروءة والرجولة، وتقضي على البيوت، وما أشبه ذلك من الأغاني، هل ما ينفق على هذه أكثر، أم ما ينفق على الجهاد في سبيل الله؟! والله إن الجهاد في سبيل الله في أفغانستان لا يأخذ معشار ما ينفق في دولة واحدة على لهو الحديث، ولو نظرنا بكم تشترى الأفلام في دولة من دول العالم الإسلامي لوجدنا ما ينفق على الجهاد في أفغانستان التي تختطف فيها يومياً أرواح آلاف الشهداء، والتي هي فاصل بين دخول الشيوعية في بلاد المسلمين أو عدم دخولها، والتي يقف فيها الأفغان أمام أعتى قوة؛ لوجدنا أن ما يصرف لا يساوي معشار ما تنفقه دولة واحدة على لهو الحديث، ولذلك نفهم معنى قول الله عز وجل:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}[لقمان:٦].
هل تصدقون أن هناك حفلات ساهرة فاسدة منحرفة لا يدخلها الناس إلا ببطاقة بعشرات الدولارات؟! ولقد حز في نفسي حينما رأيت سهرة ما في بلاد إسلامية على رأس عيد السنة، ولا أكتمكم أن هذا كان هنا في القصيم، وكانت قيمة التذكرة بخمسين ريالاً! وأن هناك عرضاً بموسيقى، وهذه الموسيقى من سيعرضها؟ سيعرضها نصارى يظنون أنهم يحيون عيد الميلاد، ولا أدري ماذا يوجد مع هذه الأشياء! ولولا أن الله تعالى قيض لإنكارها بعض الصالحين والمصلحين والمسئولين فوقفوا أمامها لحدثت، وأظنها نشرت سراً، وكان سيدخلها آلاف من الرجال والنساء ليستمعوا إلى هذه الحفلات الماجنة المنحرفة الضالة، ويشترون لهو الحديث بهذا المال، قلت حينها: سبحان الله! صدق الله العظيم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}[لقمان:٦].
قصة أخرى: زرت إحدى القرى في منطقة جازان التي يقولون: إنها أفقر المناطق، فزرت أمير القرية، فقلت: أهذه أكبر قرية؟ قال: نعم، قلت: أريد أن تدلني على أفقر بيت في هذه القرية، فدلني على بيت فيه عجوز، وقال: هذه أفقر امرأة في جازان، وجازان معروفة بأن الحياة فيها من أبسط المناطق في المملكة التي امتن الله عليها بهذه الخيرات، فأول ما قابلني في هذا المدخل تلفزيون ملون عند الباب، فقلت: سبحان الله! صدق الله العظيم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}[لقمان:٦]، قلت: ماذا تملك هذه؟ قال: لا شيء، وكل الناس يتصدقون عليها بأكلها، ولا تملك شيئاً أبداً.
أصبح الناس الآن يشترون لهو الحديث، ولهو الحديث هذا لا نخسر عليه المال فقط، بل نخسر عليه ما هو أكبر من ذلك:(لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)، فقد ضل كثير من الناس على أيدي هذه الوسائل الحديثة المنحرفة التي جاءت بالرقص والغناء واللهو والموسيقى والمسرحيات الماجنة والمصائب، سواء كان ذلك عن طريق التلفاز أو الفيديو أو الإذاعة أو الصحف والمجلات والصور الفاتنة، ولذلك ندرك معنى قول الله عز وجل:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}[لقمان:٦].
أيها الإخوان! هذه منازل ومراتب، وهؤلاء هم أنواع البشركما وزعهم الله عز وجل، فأي مرتبة تريد أن تختارها أيها الأخ المسلم وأنت تنتظر الوقوف بين يدي الله عز وجل، وأمامك القبر والحساب والجنة والنار والصراط والميزان أمامك مواقف تدع الحليم حيران، ويشيب منها الولدان، فما عليك يا أخي إلا أن تتقي الله عز وجل في نفسك وبيتك وأمانتك وأهلك وذريتك:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:٦].
أقول قولي هذا وأستغفر الله ولي ولكم، ولا أظن أن واحداً منكم أكثر مني ذنباً وأعظم تقصيراً، ولكني أستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.