ومن هنا نعرف أن الدين الإسلامي ليس ديناً ليس فيه عقبات، ونعرف أن الجنة التي هي سلعة الله عز وجل غالية، وأنها لا تدرك إلا بمشقة طويلة وتعب وعناء، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، إلا إن سلعة الله غالية، إلا إن سلعة الله الجنة).
ولذلك الله تعالى أثبت لنا في القرآن بيعة، هذه البيعة توافرت فيها كل أركان البيع الأربعة المعروفة عند الفقهاء، وهي: بائع، ومشتر، وثمن، وسلعة، ولكن الثمن لما كان كبيراً كانت السلعة غالية على هذا الإنسان، فالثمن هو الجنة، والسلعة هي النفس والمال، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ}[التوبة:١١١] يقدمون النفس والمال من أجل الله عز وجل وأجل دينه {بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة:١١١] هذا هو الثمن {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ}[التوبة:١١١].
إذاً البائع هو المسلم المؤمن، والمشتري هو الله عز وجل، ومن العجيب أن الله يشتري هذه السلعة وهي ملك له سبحانه وتعالى، فالنفس والمال ملك لله عز وجل، لكن من أجل أن يرفع من قيمة هذا الإنسان.
ولما نزلت هذه الآية قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ومن معه من المسلمين:(يا رسول الله! ما لنا إن قتلنا في سبيل الله؟ قال: الجنة.
فقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: يا رسول الله! ربح البيع، والله لا نقيل ولا نستقيل).
فخرج المسلمون عن بكرة أبيهم للجهاد في سبيل الله، حتى لامهم الله عز وجل وقال:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[التوبة:١٢٢].
إذاً طريق الجنة طريق مفروش بالتعب والمشقة لا بالورود والرياحين، وطريق النار هو الذي حف بالشهوات، ولذلك جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى لما خلق الجنة قال لجبرائيل عليه الصلاة والسلام:(اذهب إليها فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها) فذهب جبريل فرأى هذا النعيم المقيم الخالد، والأنهار الجارية، والأشجار الباسقة، والذي لا يخطر على قلب بشر من الناس، فرجع إلى الله عز وجل، وقال:(وعزتك وجلالك لا يسمع بها أحد إلا دخلها)، فأمر الله عز وجل بالجنة فحفت بالمكاره: جهاد في سبيل الله، وصلاة الفجر في وقت النوم والراحة واللذة، وترك ما حرم الله من الشهوات، والنفوس تميل بطبيعتها إلى ما حرم الله وإلى هذه الشهوات وغير ذلك من الأمور، فلما رآها جبريل جاء إلى الله عز وجل وقال:(وعزتك وجلالك خشيت أن لا يدخلها أحد)، فخلق الله تعالى النار، ولما خلق النار قال لجبريل عليه الصلاة والسلام:(اذهب وانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها)، فلما جاءها جبرائيل عليه الصلاة والسلام وجدها يأكل بعضها بعضاً، فرجع وقال:(وعزتك وجلالك لا يدخلها أحد سمع بها)، فأمر الله عز وجل بها فحفت بالشهوات، أي: الشهوات المحرمة التي تجذب هذا الإنسان جذاباً مغناطيسياً إليها، والتي تميل إليها نفوس ضعيفة بفطرتها وبشهوتها، فلما رآها جبريل قال:(وعزتك وجلالك! خشيت أن لا ينجو منها أحد) أي: لما في طريقها من الشهوات.
ومن هنا نقول: لا تعجب حينما ترى هذه العقبات في طريق الجنة، فإن الجنة لا يدخلها إلا من يستحق الجنة، والذي يقتحم هذه العقبات -وهي صعبة شديدة على النفوس- هو الذي يستحق هذه الجنة.