[قوة دعاة الباطل ونشاطهم]
ومن عوامل الانحراف قوة ونشاط دعاة الباطل.
فقد كرسوا جهودهم وبذلوا قصاراها في سبيل حرف أبناء المسلمين عن دينهم، وهؤلاء هم شياطين الإنس الذين يقول الله عز وجل عنهم: {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام:١١٢] وقدم شياطين الإنس أولاً {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام:١١٢]، هؤلاء الشياطين الذين لم يدخروا وسعاً في سبيل انحراف أبناء المسلمين عن دينهم وعن الفطرة السليمة المستقيمة التي فطر الله عز وجل الناس عليها.
هؤلاء ينقسمون إلى قسمين: قسم من أعدائنا المكشوفين، والذين كانوا بالأمس يستعمرون كثيراً من بلاد الإسلام، ولكنهم لم يرحلوا منها حتى تأكدوا بأنهم حرفوا كثيراً من المسلمين عن دينهم، وأنهم أوقعوهم على حافة الهاوية، ولربما لم يرحلوا حتى تركوا أفراخاً لهم وأوصوهم أن يقوموا بهذه المهمة، وهؤلاء هم الذين يشكلون القسم الثاني من عوامل دعاة الباطل وهم أبناء جلدتنا، وهم الذين ورد ذكرهم في حديث طويل رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني.
قلت: يا رسول الله! كنا في جاهلية وشر فجاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم.
فقلت: يا سول الله! وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم.
وفيه دخن.
قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر.
فقلت: يا رسول الله! وهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم.
دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها.
قال حذيفة رضي الله عنه قلت: يا رسول الله! صفهم لنا: قال: قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا).
وإذا كان الإسلام بالأمس يحارب بـ أبي جهل وأبي لهب فإنه اليوم يحارب بأحمد ومحمد وعبد الله، وإذا كان بالأمس يحاول أعداء الإسلام قطع شجرة الإسلام بفأس الكفر فإنهم يقولون: اليوم لا تستطيعون أن تقطعوا شجرة الإسلام إلا بغصن من أغصانها.
ولذلك فإننا لا نستغرب هذه الدعايات المضللة التي يتبناها كثير من المتمسلمين، والذين ينتسبون إلى الإسلام والإسلام منهم براء، والذين يحاولون أن يشككوا المسلمين في دينهم وأخلاقهم وفضائلهم، فمرة يتكلمون عن الحجاب ويصفون الحجاب بأنه تخلف وقوقعة، ومرة يصفون الحدود ويقولون إنها تخلف ووحشية، ومرة يصفون القصاص ويقولون: هذا لا يناسب هذا العصر.
ويكتبون في صحف المسلمين بين فترة وفترة يشككون المسلمين في دينهم.
ولم يعمل أعداء الإسلام أكثر من ذلك، بل لقد كان عمل هؤلاء أكثر وأخطر على الإسلام من عمل أعداء الإسلام المكشوفين، لماذا؟ لأن هؤلاء يندسون في صفوف المسلمين، ويحسبون على الإسلام، ويتسمون بأسماء المسلمين ويحملون في جيوبهم هويات مسلمة، والمسلمون قد لا يتقون شرهم؛ لأنهم يطمئنون إليهم في كثير من الأحيان، ومن هنا أصبح الخطر أكبر، وأصبحت المصيبة أبدع، ولذلك فإن دعاة الباطل من أبناء جلدتنا أخطر بكثير على الإسلام من دعاة الباطل الذين نعرف بأنهم أعداء للإسلام.
فهذا جانب مهم من جوانب الانحراف، ولذلك فقد أثرت دعوة هؤلاء في كثير من ضعاف العقول، وفي هذا نحن لا نتناسى هذه الصحوة الإسلامية -والحمد لله- التي ملأت الدنيا، والتي قطعت نياط قلوب الكافرين في كل مكان من الأرض، سواء أكان هؤلاء الكافرون من أبناء جلدتنا أم من أعدائنا الذين يحيطون بنا من الخارج، والذين صاروا يصفون هؤلاء بالرجعية، ويصفون هؤلاء بالتطرف، ويصفون هؤلاء بالتخلف.
وما هو -والله- بتطرف ولا هو بتخلف، ولكنه الدين الحق، بل هؤلاء الشباب هم الذين قال الله فيهم: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا * مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب:٢٢ - ٢٣]، ومن هنا نعرف قدر هذه الصحوة، وعلينا أن نقدر لها قدرها، ونمد أكف الضراعة لله عز وجل في أن يثبت أقدام هؤلاء الشباب المؤمنين، وأن يرزقهم الاتزان، وأن يرزقهم الصراحة في الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يكون الدين كله لله، وحتى يعود الخير إلى مجاريه.