وهنا يقول الله تعالى:{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}[الأنفال:٥].
فدارت المعركة وكان المسلمون كارهين، ولابد أن يأتي نصر الله؛ لأن هؤلاء المسلمين عرفوا من يقاتلون، وعرفوا إلى من يرجعون وإلى من يتضرعون، حتى قال أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعركة وهو يصفها:(والله إنا نرى الرأس يقطع ونرى اليد تقطع ولا نرى من هو الذي يقطعهما).
لقد أنزل الله عز وجل ملائكة، وليس نزول الملائكة محصوراً على المرسلين عليهم الصلاة والسلام وعلى محمد صلى الله عليه وسلم، وليس خاصاً في بدر، بل إن الله تعالى يقول:{قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا}[آل عمران:١٣]، وهذه الآية دليل على أنها خالدة إلى يوم القيامة.
وهنا يقول الله تعالى:{وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}[الأنفال:٥]، ما كرهوا القتال، وإنما خافوا لأن السلاح غير موجود، ولا تعجب أن يكون هناك خوف في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذه أول معركة في التاريخ الإسلامي؛ ولأنه ليست لهم تجارب مع عدوهم، لكن الله سبحانه وتعالى يريد أن يغير معايير الحياة، ونواميس الحياة التي ألفها الناس، فالعدد لا قيمة له والعدة لا قيمة لها إذا أنزل الله وجل النصر من السماء، ولذلك هم لا يكرهون القتال بل كانوا يتمنون القتال، وكانوا يستعجلون القتال وهم في مكة، والله تعالى يقول:(كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) أي: حتى يأتي أمر الله سبحانه وتعالى.
ثم قال عز وجل:{يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ}[الأنفال:٦]، أي: تبين أنه لابد من القتال، وبعضهم كان يجادل، لكن ليس الجدال الحاد الذي يفرق الصف، وإنما جدال نقاش حيث كانوا يقولون: يا رسول الله! نحن خرجنا للعير وليس معنا سلاح، فكيف نقاتل العدو؟ والله تعالى يقول: لابد أن تقاتلوا العدو.
وقوله:{يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ}[الأنفال:٦]، أي: بعدما اتضح أنه لابد من القتال، {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ}[الأنفال:٦]، أي: كانوا يظنون أنها مهلكة، فكانوا يقولون: هؤلاء ألف من أهل مكة مزودون بالسلاح، ونحن ثلاثمائة ليس معنا سلاح، فإذا واجهناهم فهذا هو الموت، لكن الله تعالى يعلم أن هذا هو الحياة؛ لأن الحياة تكون في الجهاد في سبيل الله، وبمقدار ما يعطل المسلمون الجهاد في سبيل الله يكون لهم نصيب من الموت.