إذا كان كل من قال:(لا إله إلا الله، محمد رسول الله) إلى الجنة، ولو عمل ما عمل، وفعل ما فعل من المعاصي، فلماذا نعمل إذاً؟
الجواب
هذا الظن خطأ! ولعل الأخ الذي أورد هذا الإشكال أخذ ذلك من حديث البطاقة، ففيه أن هناك بطاقة فيها:(أشهد أن لا إله إلا الله) توزن مع السجلات، فتطيش السجلات وتثقل البطاقة، وهذا الحديث صحيح، وفي أحاديث أخرى:(إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله).
اعلم يا أخي! أنّ هذا عنوان وأصل له فروع، فإن (لا إله إلا الله) لو أردت أن تحللها لوجدت أنها تحتوي على كل الأعمال الصالحات، وتجنب جميع المنكرات التي يفعلها الناس، فكلمة:(لا إله إلا الله) لها مسئوليات، ولها إثبات، ولها نفي، ولها إيجابيات، ولها سلبيات، فمعنى رجحان البطاقة: أنّ هذا الإنسان الذي قدم بها على الله عز وجل وفيها: لا إله إلاّ الله، أنه كان يطبق حقيقتها؛ لأن معنى (لا إله): أن تنفي كل ما يعبد من دون الله عز وجل من الشهوات والمحرمات وكل ما يغوي الإنسان ويورده النار، و (إلا الله) معناها: العبودية لله عز وجل وحده، وهذه العبودية تتطلب أداء كل أركان الإسلام، وكل الواجبات.
لكن إذا أدى الإنسان أركان الإسلام، وكان عليه ما عليه من الآثام فقد يتجاوز الله عز وجل عنه؛ لأن الله تعالى يقول:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:٤٨]، أما الكفر والشرك فإن الله عز وجل لا يغفر منهما شيئاً، وكذلك ترك الصلاة فإنه كفر، فهل يفكر في دخول الجنة من لا يصلي؟! نقول: لا، فإنه كافر مرتد؛ لأن الله تعالى يقول:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّين}[التوبة:١١]، فمعنى (لا إله إلا الله) أن يعمل بمقتضى هذه الكلمة نفياً وإيجاباً، وأن يؤدي الأركان التي هي أسس دخول الجنة، وهي مفتاح الجنة، لكن لو كانت عليه بعض الذنوب والآثام فإن الله قد يغفرها له بشرط ألاّ تكون حقوقاً للناس؛ لأن حقوق الناس لا بد أن تؤديها إلى أصحابها، أما لو كانت عليه سيئات بينه وبين ربه فإن الله تعالى قد يتجاوز عنها ولا يبالي، كما جاء في الحديث الصحيح:(يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة).
وكون الإنسان يقدم على ربه سبحانه بسيئات لم يتب منها فهذه مخاطرة، لكن لو قدم بسيئات لا تصل إلى درجة الكفر، ولا درجة الشرك، فلعل الله أن يتجاوز عنها؛ لأنه تعالى وعد بذلك، ولكن لم يعط الوعد لكل الناس، بل لمن يشاء، فقال:(وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ) يعني ما دون الكفر والشرك (لِمَنْ يَشَاءُ) أي ليس لكل الناس.
فكلمة (لا إله إلا الله) وحدها لا تدخل الجنة، إلا إذا عمل الإنسان بمقتضاها نفياً وإثباتاً، لأن (لا إله) معناها: أن ينبذ العبد عبادة الهوى والشهوات والمعاصي والمحرمات، و (إلا الله) معناها: أن يقيم تعاليم الإسلام، لأن معنى الإيمان بالله عز وجل أن يقيم تعاليمه سبحانه وتعالى، وأن يطيعه في أوامره، ولذلك جاء في الأثر:(لا إله إلا الله: هي مفتاح الجنة، لكنها تحتاج إلى أسنان) فهي مثل شجرة تحتاج إلى ثمر، وهذه الثمر هي الصالحات.