تعتبر حياة موسى عليه الصلاة والسلام في بدايتها حياة تتسم بالشدة، لكنها تمتاز بالتحدي من الله عز وجل لفرعون ولآل فرعون الذين قال الله عز وجل فيهم:{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[القصص:٤].
إن على المستضعفين في الأرض أن يستشعروا بأن القوة ليست للبشر وإنما هي لله عز وجل، فمهما أظلمت الحياة، ومهما انتفخ الطغيان في الأرض، ومهما تجبر وتكبر، ومهما علا وارتفع فإن له نهاية؛ لأن الطغيان كالزبد يذهب جفاءً، كما أخبر الله عز وجل:{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}[الرعد:١٧].
ولربما يرهب الناس -كما هو في عصرنا الحاضر- من الطغيان الذي سيطر على جل المعمورة، وأصبح المؤمن يعيش فيها مخفوض الرأس، وأصبح طغاة البشر ووحوش البشرية يرفعون رءوسهم ويلغون في دماء المسلمين، ولربما دب اليأس إلى واحد من الناس، سيما ضعفاء الإيمان، والذين لم يقرءوا تاريخ البشرية، أو الذين ضعف يقينهم بموعود الله عز وجل وأنه سيعيد للأمة الإسلامية في يوم من الأيام تاريخها المجيد ومجدها التليد، سيما بعد هذه الإرهاصات الشديدة التي لا يكاد المسلم يرى فيها الإسلام قد ارتفع في أرض من أرض الله إلا ويفاجأ بالقمع والذلة والإرهاب لهذه الأمة الإسلامية، فقد يدب اليأس إلى واحد من المسلمين، ثم بعد ذلك تكون الحيرة وعدم الثقة بنصر الله عز وجل.
يقول الله عز وجل:{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}[القصص:٥] وهذا أمر صعب، أمم لا يستطيع أحد فيها أن يقول كلمة الحق التي يعتقدها في قرارة نفسه، بل إنه يخشى من ظله، أمة تعيش على الاستعباد والذلة لمدة من الزمن، ولكن الله عز وجل جعلهم أئمة، فما مضت سنون قليلة حتى كبر هذا الطفل الذي ولد ليكون منقذاً للبشرية وقتئذ، ليقضي على ذلك الحكم الجائر، ويخلص الأمة المستضعفة في الأرض، ولما انحرفت تلك الأمة عن الجادة وحادت عن طريق الحق والاستقامة واستمرت في طغيانها أزالها الله عز وجل وخلفتها أمم خير منها لتكون لها الإمامة في الأرض، يقول الله تعالى:{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}[القصص:٥ - ٦].