قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ}[الأحزاب:٥٩]، هل معناها: الأمر بالحجاب، وأن كشف الوجه للمرأة غير جائز؟
الجواب
انقسم العلماء في فهم هذه الآية على فريقين: بعضهم يقولون بوجوب الحجاب كاملاً، وأنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها ولا يديها، وهذا يمثل رأياً لبعض العلماء.
يقول بعضهم: تدني الحجاب على وجهها فلا يظهر شيء من ذلك، وبعضهم استثنى عيناً واحدة لتنظر فيها، وهؤلاء لهم مأخذ من هذه الآية، لكن الآية الأخرى أوضح استدلالاً، وهي قوله تعالى:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}[النور:٣١] قالوا: إن الخمار -وهو ما يغطى به الرأس- لا يمكن أن يصل إلى الجيب إلا ماراً بالوجه.
والرأي الآخر يرى أنه لا بأس بكشف الوجه والكفين، وهو رأي طائفة من العلماء، إلا أنهم مجمعون -الأولون والآخرون- على أن كشف الوجه واليدين إذا كان يؤدي إلى الفتنة فإن ذلك لا يجوز، والفتنة لا شك أنها موجودة؛ لأن الوجه هو موضع الفتنة، وعلى هذا يكاد يكون العلماء متفقين على تغطية الوجه؛ لأن الفتنة ستلازم كشف الوجه.
والذين يقولون بعدم تغطية الوجه يقولون في معنى:{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ}[الأحزاب:٥٩]: تدني من الجانب الأيمن فتغطي شيئاً من الخد، ومن الجانب الأيسر فتغطي شيئاً من الخد، ولا يمنع أن يخرج شيء من الوجه؛ لأن الله تعالى ما قال: تحتجب وإنما قال: يدنين، والإدناء معناه: التقريب لا التغطية.
على كل حال، هذا مأخذ بعيد، والأدلة كثيرة على تغطية الوجه والكفين، وأن المرأة لا يجوز أن يرى منها أي شيء من بدنها، وعلماء المسلمين أجمعوا على أنه في حال الفتنة لا يجوز للمرأة أن تكشف شيئاً من وجهها، والفتنة تلازم الوجه؛ لأن الوجه هو موضع الفتنة، فالعينان والأنف والفم والخدان وكل مراكز الجمال تتجسد وتجتمع في الوجه.
وعلى كلٍ فإن الاحتياط واجب، بل هو الأمر اللازم، وهو الحجاب الكامل، وهو حجاب المرأة المسلمة، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه يأتي نساء في آخر الزمان كاسيات عاريات، ومعنى كاسيات عاريات أي: تخرج شيئاً من بدنها وإن كانت قد كست شيئاً من جسدها، والحجاب هو الذي يعلم المرأة الحياء، والحياء هو خلق هذه الأمة كما جاء في الحديث:(إن لكل أمة خلقاً، وإن خلق هذه الأمة الحياء) والمرأة إذا أخرجت وجهها تعتبر هذه هي المرحلة الأولى بالنسبة لما سيحدث بعدها، فبإخراج الوجه يخرج ما بعده، ويقل الحياء، فلربما تكشف عن شعرها بعد ذلك، أو عن نحرها، أو عن ذراعيها، أو عن ساقيها، وهذا هو ما حدث بالفعل، فإن العالم الإسلامي ما انتشر فيه هذا التبرج إلا بعد ما كشفت المرأة وجهها، والذين يطالبون المرأة بكشف الوجه لا أظن أنهم سوف يقفون عند هذا الحد، بل إنهم يعتبرون هذا هو المرحلة الأولى، والخطوة التي يبدءون وينطلقون منها.