[تجنيد المرأة لهدم المجتمعات]
الحمد لله الذي خلقنا من نفس واحدة وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً، والحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الناس ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله محمد الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وحجة على الناس أجمعين، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن آله ومن دعا بدعوته وعمل بسنته ونصح لأمته إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن الصراع بين الحق وبين الباطل قديم قدم الحياة الدنيا، وباق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
الصراع بين الحق والباطل بدأ منذ اللحظة التي خلق الله فيها آدم وتمرد إبليس عن السجود له وأهبط الله الجميع إلى الأرض، {قَاْلَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة:٣٦]، ومنذ ذلك الوقت والصراع بين الحق والباطل باق وقديم، وسيبقى هذا الصراع، وسيكون للحق أعوان وأنصار وللباطل أعوان وأنصار {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء:٧٦]، الصراع بين الحق والباطل قديم وباق، ويختار الله عز وجل للحق أنصاراً، ويجند أقوام أنفسهم -أيضاً- للدفاع عن الباطل، لكن الباطل مهما ظهر ومهما انتفخ ومهما غر ضعاف العقول فإن مصيره إلى الزوال؛ لأن الله تعالى يقول: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء:١٨]، ومن هنا نستبشر برحمة الله وفضله.
أخي في الله! يقول الله عز وجل مبيناً أن أعداء الإسلام والمروجين للباطل سيتخذون من المرأة وسيلة لتدمير المجتمعات الإسلامية، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب:٥٩]، ثم يشير الله عز وجل إلى مواقف المبطلين فيقول: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ} [الأحزاب:٦٠ - ٦٢].
وقوله تعالى: (سُنَّةَ اللَّهِ) دليل على أن هذا العمل من الله عز وجل سنة ماضية في القديم والحديث {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب:٦٢].
ولذلك فإن الصراع بين الحق والباطل كثيراً ما يستخدم فيه الباطل المرأة لتكون له حبائل، ولتكون لأهله شراكاً يصطادون فيه المسلمين عن طريق الشهوة؛ لأن الله عز وجل ركب الرجل والمرأة على هذه الشهوة التي فيها من الجاذبية والشدة والقوة الدافعة ما لا يتوافر في أي جانب آخر، ولذلك فإن الله تعالى قدم شهوة النساء على كل شهوة، فقال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران:١٤]، فأول هذا المتاع هو شهوة النساء، ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)، ويقول عليه الصلاة والسلام مبيناً أن المرأة تساوي فتنتها جميع الفتن، وأن كل الفتن في كفة وأن فتنة المرأة في كفة واحدة، وأن كفة المرأة تكاد أن ترجح بكل كفة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله تعالى مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء)، فالدنيا تساويها كلها فتنة النساء.
ولذلك اهتم الإسلام بتربية المرأة والعناية بها اهتماماً بالغاً، حتى لا تكون فتنة أو وسيلة دمار، ولذلك ما قدم القرآن ذكر المرأة في أي موقف من المواقف إلا في موقف واحد، وهو الزنا، فنجد أن المرأة في كل الأمور يقدم الرجل عليها إلا في الزنا فقد ذكرها الله عز وجل قبل الرجل فقال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور:٢]؛ لأن المرأة لديها من الدوافع والجاذبية إلى الزنا وفاحشة الزنا -نسأل الله العافية- ما لا يتوافر في أي شيء آخر، وإن امرأة واحدة لو خرجت متبرجة بين أمة لاستطاعت أن تفتن الكثير منهم إلا من عصم الله، ومن هنا قدمت المرأة على الرجل، وما قدمت في شيء آخر غير ذلك.
أما أعداء الإسلام فقد أدركوا خطر هذه المرأة، وقال قائلهم: إنه لا أحد أقدر على جر المجتمعات إلى الدمار من المرأة.
فاستعملت المرأة في هذا الأمر، لذلك لا نستغرب ونحن نرى أن المرأة اليوم قد أصبحت لعبة وأضحوكة ودمية بيد هؤلاء العابثين، وإذا أراد الإنسان أن يروج بضاعته وضع صورة امرأة على غلاف منتجه، حتى المجلات الساقطة التي ليس لها نصيب من الناس لابد أن توضع فيها صورة امرأة جميلة في مقدمتها حتى تكون جاذبة للمشترين، والطائرة أول ما تقابلنا فيها المرأة، وإذا كان قد ظهر الفساد في البر والبحر من قبل؛ ففي أيامنا الحاضرة ظهر حتى في الجو، والمرأة التي تشاهدها في الطائرة والله ما جاءت للخدمة؛ لأن الرجال ليس فيهم قلة، فالعالم كله يشتكي من قلة العمل، ومن شدة المئونة وقلة الوظائف إلى غير ذلك، والمرأة ليست بأقوى من الرجل، بل هي أضعف من الرجل في هذه الأمور، إنما وضعت للتسلية؛ لكي يتمتع بها هؤلاء الركاب، وبمقدار ما تتسابق شركات الطيران لتختار أجمل النساء بمقدار ما تكسب عدداً أكثر من الزبائن كما يقولون! ولقد رأيت بعيني في دولة من الدول التي تعيش بجوارنا إعلان عن اختيار مضيفات في الطائرات، ويقولون: ندفع كذا بدل تبرج! مما يدل على أن التبرج هو المقصود في هذا العمل، ولذلك إذا ركبت الطائرة ورأيت هذا العدد الهائل وهذا الطاقم الكبير من النساء لا تجد لهن شغلاً، إلا أن شركات الطيران تتسابق في اختيار أي النساء أجمل، ومع ذلك يقولون: إنهم من أنصار المرأة! حالوا بينها وبين عواطفها وأهلها وأولادها والزواج ومتاع الحياة الدنيا، ووضعوها معلقة بين السماء والأرض، واستخدموها وجعلوها دمية يتمتع بها الناس ووسيلة تسلية، ويقولون: إنهم من أنصار المرأة! هذا أكبر دليل على أن هذا العصر عصر إهانة المرأة، لا كما يزعمون أنهم من أنصار المرأة، ومن الباحثين عن حقوق المرأة وحريتها.
المهم أن أعداء الإسلام أدركوا أن الخطر يكمن في الشهوة، وأن أي أمة تعرض أمامها الشهوة تنزلق قدمها فيها، لما لهذه الشهوة من الجاذبية ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وما لا يحول بينه وبين الوقوع في الفاحشة إلا الإيمان القوي، استخدموا المرأة في هذا الأمر، ولقد استخدمها بنو إسرائيل قبل ذلك، والأمم التي أرادت أن تفسد المجتمعات كانت تستخدم المرأة، وفي أيامنا الحاضرة يركز على المرأة تركيزاً عظيماً لا يساويه شيء في عظمته.
من هنا نقول: إن أعداء الإسلام أدركوا الخطر الذي تشكله المرأة على المجتمع، فجندوا المرأة لهدم المجتمعات الإنسانية، وأي أمة تقع في الفاحشة فإنها تسقط من عين الله، وهذا شيء مشاهد، ونلمسه من أن أي شباب من شبابنا يتجهون إلى الفساد الجنسي، تفسد عقيدتهم، وإذا لم يعتنقوا ديانة يهودية أو نصرانية أو إلحاداً فإنهم سيتخلون عن الإسلام في الغالب، وإذا أردت أن تعرف ذلك فانظر إلى شبابنا الذين يذهبون إلى البلاد المنحلة، تجد هذا الشاب لا يرجع منحل الأخلاق فقط، وإنما أيضاً منحل العقيدة، وهذا هو الهدف الذي يسعى إليه أعداؤنا في هذا الجانب.
وعلى كلٍ فإن المرأة استهدفت في مثل هذه الأيام، وقامت جمعيات للمرأة الهدف من ورائها انحلال وإفساد المرأة، وإن من يسافر إلى البلاد المتبرجة يجد أن المرأة قد فقدت كل شخصيتها، وأصبحت لا تبالي حتى لو خرجت عارية، ولذلك انتشر الفساد في الحدائق والأسواق وأماكن كثيرة في البلاد الغربية التي وصلت إلى آخر مستوى، وصارت قوانينها تهبط كلما هبط هذا الإنسان، وهبط القانون حتى أصبحنا نسمع في بعض البلاد أن الشذوذ الجنسي، وزواج الذكر بالذكر ونوادي العراة أصبحت شيئاً رسمياً في تلك البلاد لا غبار عليها، والمنافقون في كل بلد الذين ينعقون ويبحثون عن حرية وحقوق المرأة يريدون ذلك، مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سَنَنَ من كان قبلكم).
وعلى كل فإن البلاد التي لا تستطيع أن تقول: نريد نوادي للبنات -وإن كانت تقال في بعض الأحيان، ولكن الظروف لا تسمح للاستجابة لها- فإنها تقول: نريد جمعيات خيرية نسوية.
يصبغونها بهذه الصبغة الطيبة، ويقصدون بالجمعيات الخيرية النسوية أن تخرج المرأة في شيء يشبه الأندية الرياضية للشباب، لكنها مغطاة ومطلية بهذا الطلاء، وملفوفة بهذا الغلاف الكاذب، هذه الجمعيات النسوية التي تخرج المرأة، ولذلك في البلاد التي هي قلب بلاد الإسلام لو تتبعت أخبار بعض الجمعيات لوجدت ما يدمي القلب.
وعلى كل فهذه التسمية ليست غريبة، فإن كثيراً من الآثام والجرائم التي انتشرت في المجتمعات الإسلامية اليوم سميت بغير أسمائها، فهم يسمون الخمر مشروبات روحية، والغناء فناً، والنفاق مجاملة، والكذب دبلوماسية، من خلال ذلك أيضاً سموا إخراج المرأة من بيتها جمعيات خيرية نسوية، والله تعالى يعلم ما يحدث وراء ذلك.
اتهموا الإسلام أيضاً بأنه ظلم المرأة، ونصبوا أنفسهم أنصاراً للمرأة، ويقولون: الإسلام ظلم المرأة، وأباح تعدد الزوجات، وجعل الطلاق بيد الرجل، وفعل فعل إلى غير ذلك.
فقالوا: إنه