الجليس الصالح الذي شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه كبائع المسك، إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما -على الأقل- أن تجد منه رائحة طيبة، هذا هو الجليس الذي أُمر كل واحد من المسلمين أن يحسن اختياره، وأخبر الله عز وجل بأن أي صديقين في الدنيا سيكونان عدوين يوم القيامة، إلا إذا كانت هذه الصداقة والصلة في الله عز وجل، كما قال تعالى:{الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}[الزخرف:٦٧].
والرجل الصالح قد يغتر بصديقه الفاسق أو الملحد أو المجرم أو المنافق فيأخذ من سلوكه وأخلاقه وانحرافه فينحرف معه، ولَكَمْ نرى في دنيا الناس اليوم من الشباب الصالحين الذين أساءوا اختيار الأصدقاء والجلساء فكان ذلك سبباً في انحرافهم، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام:(لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي) ونهى الله عز وجل عن موالاة الكافرين؛ لأن موالاة الكافرين سوف تحدث ذلك الانحراف، فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}[الممتحنة:١]، وقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ}[الممتحنة:١٣]، وقال سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة:٥١]، وقال تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[المجادلة:١٤] إلى غير ذلك من الآيات.
فالجليس الصالح هو الذي يصلح به جليسه ويطمئن إليه ويثق باستقامته وبخلقه ودينه وإيمانه, وحينئذٍ يكتسب منه استقامة إذا كان أقل منه استقامة.