يذكر الله عز وجل شروطاً للعمل المقبول، بعد أن ذكر أقواماً همهم الدنيا كالآلة التي تدور وتتحرك في الوقود بدون إرادة، لا يشتغلون إلا بالدنيا، ولا يريدون إلا العاجلة، ولا يفركون في غير المتاع، يسمنون أنفسهم وأهليهم كما تسمن الماشية، لا يهتمون إلا بالطعام والشراب والجنس وما أشبه ذلك، ثم إذا قدموا على الله عز وجل إذا هم على أسوأ حال، يقول الله عز وجل عن هؤلاء:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ}[الإسراء:١٨] ما يشاؤه الله تعالى لا ما يشاءونه هم، وليس كل ما يريدون، بل ما يريده الله سبحانه وتعالى، والنتيجة:{ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا}[الإسراء:١٨] هؤلاء هم أصحاب العاجلة، وهؤلاء هم الذين ليس لهم هم إلا هم البهائم السائمة {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ}[الأحقاف:٣].
أما النوع الثاني فهم أقوام عرفوا الهدف الذي من أجله خلقوا، والحكمة العظيمة التي من أجلها كانوا، فعرفوا أن الدنيا دار ممر وليست دار مقر، وأن الآخرة هي الحيوان، فعلموا بعين البصيرة الحكمة التي من أجلها خلقوا، فكانوا كما أخبر الله عز وجل:{وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}[الإسراء:١٩]، فهذا هو السعي المشكور، وهذا هو الجهد المدخر عند الله سبحانه وتعالى، وهذا هو العمل الذي يجب أن يكون همَّ كل الناس، لا سيما في هذه الأيام التي تبين فيها -والحمد لله- الرشد من الغي.
خمسة شروط -يا أخي- لا بد منها في صحة العمل وقبوله عند الله سبحانه وتعالى.
خمسة شروط إذا أردت أن يقبل منك العمل فلا بد من أن تهتم بهذه الشروط الخمسة، ولا بد أن تتأكد من صحة وجودها في عملك، وإلا فإن الله تعالى أخبر أن هناك أقواماً يوم القيامة يصلون النار وقد كانوا في الدنيا خاشعين عابدين، قال تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً}[الغاشية:٢ - ٤] يعني: بالرغم من أنها خاشعة في الدنيا وعاملة تعمل الصالحات (ناصبة) تبذل جهداً كبيراً ومشقة في سبيل العمل الصالح لكنها تصلى ناراً حامية، لماذا؟! لأن هذا العمل لا يقوم على أساس عقيدة صحيحة سليمة، ولأن هذا العمل لا يوافق منهجاً سليماً جاء به محمد عليه الصلاة والسلام من عند ربه، فكانت النتيجة:{تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً}[الغاشية:٤].
أما هؤلاء القوم فخمسة شروط تتحقق في أعمالهم، ويكون سعيهم مشكوراً.