نستطيع من خلال كلمة (فاستقم) أن نأخذ معنىً آخر وهو: أن دين الإسلام دين وسط بين طرفي نقيض دائماً وأبداً، فإذا نظرت إلى الأفكار العصرية والأفكار القديمة والمذاهب والملل وجدت أنها على طرفي نقيض دائماً، فجانب إلى اليمين وجانب إلى الشمال، والإسلام وتعاليمه يمثل جانب الوسط، وهو جانب الاستقامة، وإليك بعض الأمثلة على ذلك: فهناك جانب يقدس الروح ويهمل الجسد، وهو منهج الصوفية، ويقابله جانب آخر يقدس الجسد ويهمل الروح، وهو عالم المادية الطائشة في أيامنا الحاضرة، بينما نجد أن الإسلام يستقيم في معاملة الاثنين جميعاً، فلا يهمل الروح ولا يهمل الجسد، ولكنه يربي الروح والجسد، فيعطي الروح حقها، لكن لا يكون ذلك على حساب الجسد، ويعطي الجسد حقه ولا يكون ذلك على حساب الروح، فلا هو بالصوفية الموغلة التي لا ترعى حقاً للجسد، ولا هو بالمادية المنحرفة التي لا تعطي الروح شيئاً من حقها.
وفي جانب الاقتصاد نجد أن في عالمنا نظامين كافرين: نظاماً يسمى بالشيوعية الاشتراكية، يبتز أموال الناس لا للفقراء، ويقابله في الطرف الآخر نظام آخر، وهو الرأسمالية في مفهومه العصري، لا يبالي من أين يكسب المال ولو كان عن طريق الربا أو المحرمات، المهم أن يكون هناك مال، ولا يحترم هذا المال، ولا يعتبر فيه حقاً للسائل والمحروم من الزكاة وغيرها.
ونجد في الوسط دين الإسلام، فهو ملة وسط، فلا هو بالذي يأخذ أموال الناس بغير حق، ولا هو بالذي يجعل الأمر مفتوحاً لهذا الإنسان أن يكسب المال متى شاء ومن أي طريق شاء، إذاً فهو الطريق الوسط المستقيم.
وفي باب المعتقد نجد المعطلة والمشبهة على طرفي نقيض، ونجد أن الجانب الوسط هو إثبات ما أثبته الله عز وجل لنفسه من غير تشبيه ولا تعطيل، وهكذا دائماً نجد الإسلام ديناً وسطاً مستقيماً بين طرفي نقيض، وهو ما أشار الله عز وجل إليه بقوله:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[البقرة:١٤٣] أي: عدولاً، ومنهجكم منهج الوسط، فلا هو بالجانب المنحرف ذات اليمين، ولا هو بالجانب المنحرف ذات الشمال.