إن جعل المنكر معروفاً والمعروف منكراً قد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن ذلك سوف يوجد في فترة من الفترات وفي عصر من العصور، وذلك في المرحلة الأخيرة من حياة الأمة الإسلامية، أي أن النهاية قد قربت حينما يعود المعروف منكراً والمنكر معروفاً.
ولو أردنا أن نستعرض حياة الأمة الإسلامية في أيامنا الحاضرة لرأينا ذلك، كان المفترض أن يتحرك المصلحون ليصلحوا فساد الفاسدين، فإذا بنا نرى كثيراً من المصلحين ينامون إما خوفاً على الحياة، وإما طعماً في المال، وإما لهدف من الأهداف الأخرى، ثم إذا بأعداء الإسلام يستأسدون، فبدل أن يتحرك المصلحون للإصلاح تحرك المفسدون للإفساد، وهذه سنة الله عز وجل في الحياة لا بد من أن تنشغل هذه الحياة بأي أمر من الأمور، فإما أن تنشغل بالإصلاح وإما أن تنشغل بالإفساد، وهؤلاء المفسدون كالفئران، فالفئران لا تتحرك إلا حينما يسكن لها الجو وحين لا تسمع صوتاً، حينئذ تتحرك وتفسد وتقرض في المتاع وتهلك الحرث والنسل.
والخفاش أيضاً لا يتحرك ولا يطير من وكره إلا حينما يخيم الظلام، وحينئذ يعود المعروف منكراً والمنكر معروفاً، ولذلك لو نظرنا الآن إلى النقد الذي يوجه من الناس إلى الناس لوجدنا أن الفسقة أكثر ما يوجهون اللوم والعتاب إلى الصالحين، أكثر من أن يوجه الصالحون العتاب واللوم إلى أولئك الفسقة والعصاة، بل إن السخرية من دين الله عز وجل والضحك على أذقان المسلمين والتحرك المشين في كل نواحي الحياة أصبح الآن بيد هؤلاء إلا ما شاء الله، ولذلك عاد المعروف منكراً الآن والمنكر معروفاً.
ولربما تنشأ ناشئة في هذه الفترة فلا تعرف المنكر ولا المعروف بسبب مشاهدتها للمنكر حين يغزو المعروف ويظهر المعروف بصورة الضعيف الذي لا يصمد أمام المنكر ولا يدحره.