نلقي نظرة عابرة إلى النوع الآخر، فبعد أن عرفنا الرجال وموطنهم، ومواقع وجودهم، وأماكن تربيتهم، ثم عرفنا بعد ذلك المثل الذي ضربه الله عز وجل لهؤلاء؛ ننظر بعد ذلك إلى نوعين من البشر، ليسوا من الرجال، وهذان النوعان أحدهما بحسن نية أو بسوء نية فعل ما فعل، وهو يزعم الإسلام، وهو إما أن يكون منافقاً أو متستراً، وإما أن يكون مرتداً وهو لا يدري أنه مرتد، وإما أن يكون علمانياً يريد أن يجعل ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، ويريد أن يتستر بهذا الدين، فيصلي ويصوم ويحج، لكنه أبعد الناس عن الإسلام، ويطعن في الإسلام وهو يزعم الإسلام:{يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}[البقرة:٢٠٤]، أو لعله قد التبس عليه الأمر، فظن أن الدين لا يتعدى المسجد والعبادة، وأن الحياة يجب أن تسير بغير الدين.
لقد ضرب الله عز وجل لهؤلاء مثلاً بعد ذكر الرجال ومواطنهم، فقال:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ}[النور:٣٩] لهم أعمال صالحة لكنها {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً}[النور:٣٩].
حينما يسير الإنسان في شدة الحر في الصحراء الواسعة المستوية القيعة يرى أمامه إذا عطش شيئاً يتسرب بين السماء والأرض وكأنه واد يسيل ماء، وهو عطشان، ويريد أن يبحث عن الماء؛ فيركض وراء هذا الذي يظنه ماءً وهو ليس بماء وإنما هو سراب، وكلما دنا منه ابتعد هذا السراب حتى يهلك دونه.
فهذا مثل ضربه الله عز وجل لمن يظن أنه يحسن صنعاً وهو يسيء صنعاً، وإن من هؤلاء من أحدثوا في دين الله ما لم يشرعه الله، وأصبحوا يعبدون الله على غير بصيرة وعلى غير المنهج القويم الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه، ويدخلون في هذا الدين البدع التي يسمونها حسنة! فكلما أدخلوا في دين الله بدعة خرجت منه سنة لتحل محلها هذه البدعة؛ لأن المجال محدود، حتى يصل بهم ذلك إلى الشرك بالله عز وجل، فقد عبدت القبور، وطاف بها الناس، وتمسحوا بها، فهؤلاء داخلون في هذه الآية دخولاً أولياً، فتكون أعمالهم:{كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً}[النور:٣٩]؛ لأن العمل لا يقبل عند الله عز وجل إلا بثلاثة شروط: إيمان، وإخلاص، ومتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، محمد رسول الله؛ فإن معنى لا إله إلا الله: الإيمان والإخلاص، ومعنى محمد رسول الله: المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.
إذاً: هؤلاء الذين يريدون أن يدخلوا في دين الله عز وجل كل ما أعجبهم، الإسلام منهم براء؛ فدين الله كامل قبل أن يأتي هؤلاء منذ أربعة عشر قرناً من الزمان، آخر آية من القرآن أنزلها الله عز وجل على قول بعض المفسرين:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً}[المائدة:٣]، والرسول صلى الله عليه وسلم قال:(تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)، أما أن يصبح هذا الدين وعاءً يتسع لكل ما أعجب الإنسان من عبادة فلا، يقول الله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}[الشورى:٢١]، والأصل في العبادات الحظر، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).