قبل أن نتطرق إلى العلاقات الاجتماعية في الإسلام، نريد أن نلمح لمحة من المجتمع الجاهلي الذي سبق الإسلام، والذي كان إرهاصاً لميلاد دين جديد، حيث بلغ السيل الزبا، وحيث وصلت الأمة العربية في ذلك العصر إلى وضع هو دون مستوى الحيوان في كثير من أحيانه، فإن الحيوان لا يئد بنته، ولا يقتل ولده، ولكن هذه الصفات قد امتاز أو اشتهر بها المجتمع الجاهلي فيما قبل الإسلام، فكانت علاقة الأب بأولاده علاقة سيئة، وقد قص القرآن علينا أخبارها في قوله تعالى:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ}[النحل:٥٨ - ٥٩].
فكان الواحد منهم يشعر بالخجل حينما يبشر بأنه ولدت له بنت، فيسود وجهه أمام القوم، ثم يذهب إلى ابنته ليدسها في التراب -أي: ليدفنها- وهي حية، إلى أن جاء الإسلام فحاسب أولئك، وأفاد بأنهم يوم القيامة سيسألون عما فعلوا، كما قال عز وجل:{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}[التكوير:٨ - ٩]، بل كانوا يقتلون حتى الأولاد الذكور في كثير من الأحيان، فإذا كان الرجل قليل ما في اليد -أي: ليس عنده مال- فإنه يقتل أولاده خشية الفقر، ويقول: إن ماله لا يكفي لأولاده؛ وهذا لأنهم فقدوا الاعتماد على الله أولاً؛ ولأنهم فقدوا العاطفة التي منحها الله عز وجل حتى للحيوان، فيخبر الله تعالى عنهم أنهم يقتلون أولادهم خشية الفقر، أو خشية الإملاق، ثم جاء الإسلام فأبدل هذه الخشية بالاعتماد على الله تعالى، وتكفل برزق الأبناء مع رزق الآباء، كما قال تعالى:{نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}[الأنعام:١٥١]، بل قدم رزق الأولاد على رزق الآباء في آية أخرى فقال سبحانه:{نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ}[الإسراء:٣١]، وعلى هذا فلا يجوز في الإسلام أن يعتمد الإنسان على ماله أو على قوته، ولذا أخبر الله عز وجل أنه سيحاسب أولئك الذين قتلوا أولادهم خشية الفقر.
هذه هي العلاقة الجاهلية بين الأب وأولاده، وإن كان هناك من يتغنى بالأولاد، ويكمل التعطف عليهم، كما قال بعضهم: إنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض لو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني من الغمض لكن ذلك خلاف ما جاء من عادة النسبة لعادات الجاهلية، بل إن القرآن الكريم هو الذي أخبرنا بوضعهم مع أولادهم.