[قوله تعالى: (ولولا فضل الله عليك ورحمته)]
ثم يتوجه الله عز وجل بعد ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول عليه أن يتأنى في الأمور، ولولا أن الله تعالى من على الرسول صلى الله عليه وسلم بنزول الوحي لكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد فعل أمراً عظيماً يشوه به الإسلام، ويصبح حجر عثرة في طريق الإسلام أمام اليهود وأيضاً يضر بإنسان بريء.
(وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ) يا محمد (وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ) شهود الزور، (طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ)، أي: عن الحكم الصحيح (وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ) الأصل أنهم سيضرون بأنفسهم، لكن يضلونك أنت لو أقدمت على قطع يد الرجل اليهودي البريء، وإن كان يهودياً من أبناء القردة والخنازير، لكن يكفي أنه إنسان بريء من هذه السرقة، لو أقدمت لكان الأمر عظيماً، مع أن اليهود هم أشد وألد أعداء الله عز وجل والرسول صلى الله عليه وسلم، وألد أعداء الإسلام، ومع ذلك يدافع الله عز وجل عنهم من أجل أن يقر قواعد العدل في هذه الحياة.
(وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ) يعني: يرتكبون الذنب العظيم؛ لأن هذا من أكبر الكبائر وهو شهادة الزور: (وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ)، في الأصل أنت لا تتضرر، هم يتضررون، لكن أنت أيضاً تصبح عرضة لليهود حينما تقطع يد اليهودي بدون ما جرم.
(وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ).
ثم قال الله تعالى: (وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)، (الْكِتَابَ): القرآن، (الْحِكْمَةَ): السنة، وهذا هو معنى قولنا: إن السنة وحي آخر جاء من عند الله نطق به الرسول صلى الله عليه وسلم: (وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ).
انظر يا أخي! إلى التربية من عند الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم، أي المواقف أفضل هذا الكلام أم ما يقوله الصوفية في أيامنا الحاضرة الذين يقولون: إن محمداً هو أول المخلوقات! محمد ليس له ظل! محمد خلق من نور! كل الأنبياء خلقت من نور محمد! الله تعالى يوقع الرسول صلى الله عليه وسلم موقع العدل أي: أنت رسول ونبي لكنك بدون هذا الوحي لا تعرف شيئاً من ذلك، هكذا الله عز وجل يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم، ويوقعه أفضل موقع (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ)، فأنت لا تعلم الكتاب ولا الحكمة كان الرسول صلى الله عليه وسلم أمياً، ولكن الله عز وجل رفعه فوق العلماء، وجعل العلماء يستقون علمهم من علم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فضل من الله عز وجل، وليس عيباً في رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون أمياً، بل هو فضل وشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل أكرمه، ولذلك لا يتسرب الشك إلى هذا القرآن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أمياً كما قال عز وجل في سورة العنكبوت: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:٤٨]، إذاً: لا يمكن أن يرتابوا بعدما عرفوا أنك أمي، وأن الله عز وجل علمك ما لم تكن تعلم، حتى وجد في عصرنا الحاضر من يقول: محمد ليس أمياً، ويظنون أنهم في هذا الأمر يرفعون قيمة الرسول صلى الله عليه وسلم، الحقيقة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما أخبر الله عز وجل أنه أمي: {النَّبِيَّ الأُمِّيَّ} [الأعراف:١٥٧]، وهنا يقول: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء:١١٣]، فما كان يقرأ ولا يكتب عليه الصلاة والسلام قبل النبوة، لكن أصبح العلماء يستقون من علمه صلى الله عليه وسلم.
إذاً: الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم كفر به صلى الله عليه وسلم، وكفر بالقرآن، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم)، وما تشاهدونه من البدع والخرافات التي أحدثها الناس، ويظنون أنهم بها يرفعون من قيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله الذي لا إله غيره إنهم ألد أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقسم بالله العظيم لو بعث فينا اليوم محمد صلى الله عليه وسلم لقطع رءوس قوم غلوا فيه كما غلت النصارى في المسيح بن مريم عليه الصلاة والسلام، ولو بعث الرسول صلى الله عليه وسلم فينا اليوم لقاتل هؤلاء الذين يطرونه ويرفعونه إلى درجة الألوهية قبل أن يقاتل الشيوعيين والملاحدة الذين ينكرون الخالق وينكرون الرسول صلى الله عليه وسلم.
أيها الإخوة! ليست محبة الرسول صلى الله عليه وسلم محبة عاطفة لكنها محبة متابعة: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:٣١]، ليست كمحبة الزوجة والأولاد محبة عاطفة إنما هي محبة متابعة، ونقول لمن ادعى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم: تعال نحن وإياك نحتكم إلى شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل أنت حينما تريد أن تغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي؟ هل كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم يشدون الرحال إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في شهر رجب كما يفعل كثير من الناس اليوم، ويحدثون شيئاً يسمونه الرجبية؟! ما هي هذه الرجبية؟! نحن لا نعبد الله عز وجل إلا بما شرع الرسول صلى الله عليه وسلم، فمعنى شهادة أن محمداً رسول الله أن لا نعبد الله إلا بما شرع.
هل شرع الرسول صلى الله عليه وسلم لنا الرجبية؟ هل شرع لنا أعياد ميلاد؟ يا أخي! قف عند سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وتكون أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما محبة الغلو والإطراء فالرسول صلى الله عليه وسلم يرفضها، لما قال له رجل: (يا رسول الله! ما شاء الله وشئت، قال: أجعلتني لله نداً؟).
إذاً: أيها الإخوة! المسألة تحتاج إلى وقوف عند سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى لا تكون المسألة عواطف وشهوات نبتعد فيها كثيراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ)، هل يعتبر هذا سباً للرسول صلى الله عليه وسلم من الله سبحانه وتعالى؟ لا، هذا تعظيم للرسول صلى الله عليه وسلم أنه علمه ما لم يكن يعلم، ولو كان يعلم قبل النبوة لأصبح موضع شك عند القوم، لكن العجيب عند القوم أنه رجل أمي، وأصبح معلم البشرية كلها إلى يوم القيامة، (وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا).