[حكم تغطية المرأة للوجه والكفين والراجح من أقوال أهل العلم]
يقول الله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:٣١] هناك من يفسر (ما ظهر منها) بالوجه والكفين، ونريد أن نناقش هذا الموضوع؛ لأن الموضوع كثر الخوض فيه في أيامنا الحاضرة، علماً أن الذين يخوضون في هذا الموضوع لا يبحثون عن كشف الوجه والكفين فقط، لكنهم يريدون العراء الكامل والفساد العريض، يريدون أن تخرج المرأة متفسخة لا تتقيد بقيد من قيود الشرع، فهم يبدءون بالوجه والكفين لأن هذا هو معيار الحياء، فإذا كشفت المرأة وجهها وكفيها، أو كشفت وجهها بصفة خاصة هان عليها كل شيء، كما قال الشاعر: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام فالوجه هو موضع الحياء، كما أن الوجه هو موضع الجمال، ففيه العيون، وفيه الخدان، وفيه الفم، وفيه الحاجب، وفيه الشعر، وفيه كل شيء، فإذا كشفت المرأة هذا النوع أو هذا الجزء من هذا الجسد سهل عليها هي أن تكشف بقية الجسد؛ لأن الحياء قد تمزق، ولأن الجمال أصبح مكشوفاً أمام الناس، فمن السهل أن يكشف موقع آخر من مواقع الجمال، ولذلك تجد الآن في بعض بلدان العالم مسابح عارية، نسأل الله العافية والسلامة، وتجد -أيضاً- زواج الذكر بالذكر بصفة رسمية، وتجد نوادي للعراة رجالاً ونساءً، يخرج الرجل والمرأة كما خلقهما الله عز وجل.
فما هي الشرارة الأولى؟ الشرارة الأولى هي كشف الوجه والكفين.
ولقد نادى بذلك أقوام باسم الإسلام وهم يجهلون الإسلام -ولو لم يجهلوا الإسلام فأكثرهم أعداء للإسلام- وقالوا: إن الوجه ليس بعورة، فكشف الوجه، فما زال هذا الحجاب يتقلص وما زال هذا اللباس يتقلص من جسد المرأة حتى أصبحت المرأة شبه عارية في كثير من بلاد المسلمين، فضلاً عن بلاد الكافرين.
وصحيح أن هناك رأياً قديماً لبعض فقهاء المسلمين أن الوجه والكفين ليسا بعورة، ويستدلون بهذه الآية (إلا ما ظهر منها) وكذلك يستدلون بحديث ضعيف في سنن أبي داود: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثوب رقيق، فأعرض عنها وقال: (إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصح أن يرى منها إلا هذا وهذا.
وأشار إلى الوجه والكفين).
وهذا الحديث -أولاً- ضعيف.
ثانياً: الآية ليس فيها دليل على جواز كشف الوجه والكفين؛ لأن لفظ الآية يدل على أنه ليس هذا المراد، يقول الله تعالى: (إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) وهناك فرق بين (ظهر) و (أظهر)، فـ (ظهر) فعل ماض لازم و (أظهر) فعل ماض متعدٍ، و (ظهر) معناه: ظهر بدون إرادة.
و (أظهر) أي: بإرادة.
وأسلوب الآية هنا جاء بلفظ الفعل الماضي اللازم (ظهر) أي: ظهر بدون إرادة.
إذاً فمعنى قوله: (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) أي: الملابس التي تنكشف، أو الملابس التي لربما يظهر ما فوقها فيبدو ما تحتها بدون إرادة.
أما الذين فسروا قوله: (ما ظهر منها) بالوجه والكفين فلا توافقهم هذه الآية؛ لأنها جاءت بلفظ (ظهر) أي: انكشف بدون إرادة.
ولم تأت بلفظ (أظهر).
وعلى هذا نقول: إن الرأي الراجح هو أن الوجه والكفين من العورة، بل هما مصدر الفتنة بالنسبة للمرأة، وأجمل ما في المرأة وأكثر ما يعشق في المرأة الوجه والكفان.
حتى الذين قالوا من علماء المسلمين السابقين -رحمة الله عليهم- بأنه يجوز كشف الوجه والكفين أجمعوا جميعاً على أنه إذا خيفت الفتنة ففي حال الفتنة لا يجوز للمرأة أن تكشف شيئاً من وجهها أو شيئاً من كفيها، فتكون النتيجة وجوب تغطية الوجه والكفين؛ لأن الفتنة ملازمة للوجه والكفين دائماً وأبداً، وبالتالي يكون هذا الخلاف لفظياً.
إذاً هذا الذي يريد أن يدخل على الإسلام من هذا المدخل ليس له طريق يدخل منه، فعلماء المسلمين جميعهم حتى الذين قالوا بهذا الرأي أجمعوا على أنه في حال الفتنة لا يجوز كشف الوجه، والفتنة ملازمة للوجه دائماًً وأبداً.
ثم -أيضاً- المرأة المسلمة تدرك في عصر الفتن ما أحدثه كشف الوجه والكفين في بعض بلاد المسلمين، فكان عليها أن تأخذ بذلك العظة والعبرة.
كذلك أمر الإسلام النساء في الحج بكشف الوجه حال الإحرام؛ لأن إحرام المرأة مع كشف الوجه في الحج والعمرة كإحرام الرجل مع كشف الرأس في الحج والعمرة، ومع ذلك كان نساء الصحابة يسدلن الغطاء على الوجه إذا مررن برجال، بالرغم من أنه لا يجوز تغطية الوجه بالنسبة للمرأة المحرمة، فيكون هذا أكبر دليل على أن آخر ما استقر عليه أمر الإسلام هو تغطية الوجه والكفين، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:٥٩].
إذاً آخر ما استقر عليه الإسلام وجوب تغطية الوجه والكفين.
والنساء اللاتي لا يتقيدن ولا يعرفن أنظمة الإسلام وقواعد الإسلام منهن من تكشف الوجه والكفين -كما يوجد في بعض البوادي في أيامنا الحاضرة- حتى إذا عرفت الإسلام حقيقة غطت الوجه والكفين.