للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية محاسبة الإنسان لنفسه]

إن الحديث عن شهر الله المحرم حديث ذو شجون؛ لأنه حديث عن فرصة تحقق فرصة أخرى، هذه الفرصة تفتح فيها صفحة جديدة من صفحات التاريخ في حياة الإنسانية جمعاء، وستنتهي هذه الصفحة لتفتح بعدها صفحات وصفحات إن طال بنا الزمان.

أيها الإخوان! أما نحن وذكرياتنا في شهر الله المحرم فيجب أن تكون لنا مواقف، هذه المواقف يجب ألا نغفل عنها.

إخوتي في الله! إن الرجل التاجر الذي يعمل ليلاً ونهاراً طيلة العام في بيعه وشرائه، يأخذ من فلان ويبيع على فلان ويشتري من فلان، ويعطي ويستعطي لابد وأن تكون له ساعة يقف فيها أمام دفاتر تجارته؛ لينظر ما له وما عليه، وماذا كسب وماذا خسر؟ وماذا عليه أن يعمل؟ وكيف يجب أن يتصرف ليزيد في أرباحه وتجارته؟ وهذا أمر بدهي، ندركه في حياتنا التجارية، وإذا كان المسافر يسير في طريق طويلة فإنه لابد أن يقف أمام لوحات الطريق، ولابد أن يقف أمام معارج الطرق وأمام المنعطفات؛ لينظر كم قطع من الطريق؟ وماذا بقي له في هذا الطريق؟ وكم ميلاً قطعه؟ وكم ميلاً بقي؟ ثم يعود مرة أخرى لينظر في زاده ماذا بقي؟ وكيف يجب أن يتزود؟ هذه فطرة بشرية ندركها جميعاً ونحن اليوم نعيش أمام مفرق من مفارق الطرق، وأمام لوحة من لوحات الطريق؛ لأنا نسير جميعاً إلى الله عز وجل وإلى الدار الآخرة.

ونحن أيضاً في تجارة مع الله عز وجل، لكنها تجارة تنجينا من عذاب أليم تجارة هي أعظم تجارة.

إذاً: أولاً: جدير بنا وأحق بنا أن نقف اليوم كما يقف التاجر أمام دفاتر تجارته، وكما يقف المسافر أمام لوحات الطريق، وأمام مفارق الطريق ومنعطفاته؛ لننظر كيف الطريق؟ وهل نحن في صحة من مسيرتنا أو يجب أن نغير الطريق مرة أخرى لنصل إلى الهدف الذي ننشده إن شاء الله؟ هكذا نحن أيها الإخوة المؤمنون نتصور أنفسنا ونحن نضع أقدامنا في شهر الله المحرم، وهو أول شهر في العام؛ ولذلك سمي الشهر المحرم؛ لأنه أحد الأشهر الأربعة الحرم التي يقول الله عز وجل عنها: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:٣٦]، بل هو أعظم الأشهر الحرم؛ لأنه وضع بداية لتاريخ الإنسانية جمعاء، وذلك حينما استشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه المسلمين في عصره بأي شيء يبدأ السنة: أيبدؤها بميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بهجرته أم بوفاته أم بماذا يبدؤها؟ فرأى المسلمون أن يبدأها من الهجرة، وأن يكون شهر الله المحرم هو أول السنة؛ لأنه يعود فيه الحجاج إلى مواطنهم، ولأنه تستأنف فيه أنشطة كثيرة.

إخوتي في الله! ومن هذا المنطلق يجب أن نقف نفكر ونستعرض صفحات العمل، ونستعرض سجلات العمل التي أودعناها في العام المنصرم، ونصحح المسيرة إن كنا قد أخطأنا، أو نثبت على المسيرة إن كنا قد أحسنا.

خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذه المناسبة فقال: (أيها الناس! إن لكم معالم فانتبهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتبهوا إلى نهايتكم؛ إن العبد المؤمن بين مخافتين: أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وأجل قد بقي لا يدري ما الله قاضٍ فيه، ألا فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن شبيبته لهرمه، ومن دنياه لآخرته).

ويقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه في مثل هذه المناسبة: (أيها الناس! إنكم تغدون وتروحون إلى أجل قد غاب عنكم علمه، فإن استطعتم أن تعملوا صالحاً فاعملوا).