[نشاط دعاة الباطل]
ومن أسباب الانحراف نشاط دعاة الباطل.
والله المستعان على ذلك، فدعاة الباطل ينشطون في أيامنا الحاضرة، ونشاطهم يتكثف بمقدار بما يضعف المسلمون عن الدعوة إلى الله عز وجل كما قلنا سابقاً، وهؤلاء الدعاة نستطيع أن نقسمهم إلى قسمين: القسم الأول: دعاة من الخارج يكرهون هذا الإسلام ويريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، وكانوا يعملون ضد هذا الدين منذ أمد بعيد، ومنذ أن قامت دعوة محمد صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا، ولكنهم خسئوا في طريقتهم حينما لجئوا إلى السلاح وحينما أرادوا أن يحاربوا الأمة الإسلامية بالقوة، وحينئذ عجزوا فقالوا: عليكم بالحرب الباردة -ويقصدون بهذه الحرب الباردة حرب الأفكار- ووجهوا كل الطاقات من أجل أن ينحرف أبناء المسلمين.
ولكنهم خسئوا -أيضاً- ونحمد الله عز وجل على ذلك، وإن كانوا قد نجحوا في بعض المجالات فربوا على أعينهم شباباً من أبناء المسلمين، وقال قائلهم بلفظته الصريحة: إنكم لا تستطيعون أن تقطعوا شجرة الإسلام إلا بغصن من أغصانها.
ويقصدون بذلك أن يربوا من أبناء الإسلام من يحارب الإسلام نفسه، ومن هنا قامت قائمة شنيعة فظيعة خبيثة ممقوتة، حيث أصبح الإسلام يحارب ببعض أبنائه، ولو كان الإسلام يحارب بـ أبي لهب وأبي جهل لكان الأمر أهون، لكن الإسلام في أيامنا الحاضرة أصبح يحارب بسعد وسعيد ومحمد وعبد الله وعبد الرحمن وأحمد، فأصبحت المصيبة أكبر.
لقد حققوا آمالهم في بعض هذا الأمر، ولكننا واثقون بإذن الله عز وجل أن الله تعالى سوف يتم نوره وسوف يظهر هذا الحق، وأن الله تعالى قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩]، ولذلك فإننا على ثقة تامة بأنهم لن يستطيعوا أن يحاربوا الإسلام أبداً، وإن بذلوا الجهود المضنية فإنهم لا يستطيعون ذلك، ولقد رأيت بعينيّ شباباً من أبناء أفريقيا رُبّوا في بلاد الغرب، وصاروا قسساً فأصبحوا يُنصّرون أبناء المسلمين، ولكنهم لم يكسبوا في مدة طويلة مع إنفاق أموال باهظة صرفت في هذا السبيل إلا النزر القليل، مثلاً: يأخذون طفلاً يربونه من أيام طفولته على النصرانية، ولقد رأيت بعينيّ تسعة من أبناء أريتريا ربوا في إيطاليا، فرجعوا قسساً فنصّروا -كما يقولون-: ثلاثة عشر ألفاً، ثم هداهم الله للفطرة، فردّوا إلى الإسلام أضعاف من نصّروهم، رأيتهم بعيني وهم الآن يعيشون في بلاد السودان.
إذاً نحن مطمئنون، ولكننا نطالب الأمة الإسلامية بأن تكافح دعاة الباطل حتى لا تقوم لهم قائمة، وأن تبدأ بعبد الله وعبد الرحمن وسعد وسعيد وأحمد قبل أن تبدأ بالبعيد؛ لأن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة:١٢٣].
وبعد ذلك نقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بمعجزته، وإن هذه المعجزة التي تتحقق اليوم في عالمنا وفي واقعنا قد حدثنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أربعة عشر قرناً من الزمان، فقد قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! كنا في جاهلية وشر ثم جاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم.
فقلت: يا رسول الله! وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم.
وفيه دخن.
قلت: وما دخنه يا رسول الله! قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر.
فقلت: يا رسول الله! وهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم.
دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها.
قال حذيفة فقلت: يا رسول الله! صِفْهم لنا؟ قال: قوم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا).
فهم من جلدتنا لم يأتوا من أوربا ولا من أمريكا، ولكنهم من أبناء المسلمين ولدوا على الفطرة وفي بيوت الفطرة وفي بلاد الفطرة، ولربما يكون منهم من ولد في البلاد المقدسة، ولربما يكون ممن ولد حول الكعبة المشرفة، أو حول مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي الكافرين.
إذاً هذه المعجزة تعطينا علماً حتى لا نفاجأ حينما نعلم بأن فلاناً وفلاناً من الناس يسعون لهدم الإسلام بأيديهم وأيدي الكافرين، إما من خلال الصحف، أو من خلال المجلات، أو من خلال الكتب، أو من خلال جلسات سرية أو علنية.
ونحن نطالب المسئولين بأن يوجهوا كل العيون وكل الرقابة إلى هؤلاء، أما هؤلاء المؤمنون الذين يصعدون على المنابر ويقولون للناس: اتقوا الله فهؤلاء لا يحتاجون إلى مراقبة، والله الذي لا إله غيره إنهم مخلصون للدولة ما دامت تقيم شرع الله عز وجل، والله الذي لا إله هو إنهم يعتبرون في قلوبهم عقداً بينهم وبين الله عز وجل في الولاء للدولة التي تحكّم شرع الله عز وجل.
إذاً يجب أن يعرف المسئولون كيف يكافحون الشر والفساد، ولا يجوز أن توجه الرقابة إلى المساجد؛ فإن المساجد لا ينشأ منها إلا الخير والإيمان؛ لأن الله عز وجل يقول عن هذه المساجد: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور:٣٦] حينما ذكر الإيمان الذي هو: {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [النور:٣٥] هذا هو الإيمان، لا يكون إلا في المساجد، فالمساجد لا تعطي الدنيا إلا الإيمان، ولا تعطي الحكومة إلا الولاء، ولا تعطي المسئولين إلا الطاعة حينما يستقيمون على دين الله عز وجل.
أما أولئك الذين يستغلون وسائل الإعلام، والذين يطعنون في دين الله عز وجل وفي الله عز وجل، ويطعنون في محمد الهاشمي صلى الله عليه وسلم كما سمعنا شيئاً من أخبارهم، ويمدحون أم جميل أروى بنت حرب زوجة أبي لهب فهم الذين يجب أن توجه إليهم الرقابة، نقول هذا الكلام، ونتحمل مسئوليته، ونسأل الله أن يعيننا على ذلك.
أسأل الله تعالى أن يثبت أقدامنا على الإيمان حتى نلقى الله عز وجل لم ننقض العهد الذي بيننا وبينه غير مغيرين ولا مبدلين.
كما نتوجه إلى الله عز وجل بأن يحفظ على الأمة الإسلامية دينها وأخلاقها، وأن يثبت أقدامها.
كما نسأله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعل أمرنا وأمر المسلمين كافة فيمن خافه واتقاه ونفذ أحكامه وأقام كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يوفق حكومتنا ببطانة صالحة تدلها على الخير وتحذرها عن الشر.
كما نسأله سبحانه وتعالى أن يوفق الأمة الإسلامية وقادتها إلى ما يحبه ويرضاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.