ومن هذه الأمور التي هي عقبة في طريق المسلم إلى ربه سبحانه وتعالى الخوف من الموت، وهذا الخوف هو فطرة بشرية، لكن هذه الفطرة البشرية عدلت في الكتب السماوية، فالله تعالى يقول:{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ}[الجمعة:٨]، فكلمة (تفرون) دليل على أن هناك فراراً من الموت، وهو فطرة بشرية، لكن لا ننسى أن هذه الفطرة البشرية عدلت في الكتب السماوية، كما قال عز وجل:{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}[الأعراف:٣٤]، فلن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، وإن الله عز وجل إذا خلق الإنسان في بطن أمه يرسل إليه الملك بعد مائة وعشرين يوماً، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بكتب أربع كلمات: رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد.
إذاً معنى ذلك أنه أجل محدد من عند الله عز وجل، فهل يتغلب الخوف من الموت على العمل من أجل دين الله عز وجل، هذا هو الذي يوجد في بعض الأحيان، بل في كثير من الأحيان، ففلان من الناس يخاف أن يتقدم أجله قبل أن يأتي الموعد؛ لأن يقينه بالله عز وجل قد ضعف، ولأن إيمانه بقول الله عز وجل:{كِتَابًا مُؤَجَّلًا}[آل عمران:١٤٥] فيه شيء من اللين والضعف، فإذا به يهرب من الموت كما يزعم، ولو أدى ذلك إلى أن يترك الساحة التي يجب أن يعمل فيها العاملون ويتنافس فيها المتنافسون.
وهذا الخوف من الموت هو الذي أدى بكثير من الناس إلى أن يرجع من منتصف الطريق، فلماذا الخوف من الموت؟ لأن اليقين بالله عز وجل ضعيف، ولذلك فإن الخوف من الموت هو الذي علم الناس الجبن، وهو الذي عطل جانب الجهاد في سبيل الله، وهو الذي أخرس ألسنة كثير من الناس أن يقولوا كلمة الحق، فلا يقولوا للظالم: أنت ظالم فاتق الله.
وهو الذي جعل كثيراً من الناس يضعف يقينه بربه سبحانه وتعالى، فيحابي في دين الله، ونسي أن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، وأن أفضل الشهداء بعد حمزة رضي الله عنه رجل جاء إلى سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله، فهذا أفضل الشهداء بعد حمزة رضي الله عنه.
إذاً لا تترك كلمة الحق خوفاً من الموت، فإن الإنسان الذي يخاف من الموت هل لا يصدق وعد الله عز وجل حينما قال:{كِتَابًا مُؤَجَّلًا}[آل عمران:١٤٥]، وقال:{فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}[يونس:٤٩]؟ فلابد من أن يعرف الإنسان أن له أجلاً عند الله عز وجل، وأن هؤلاء الناس الذين يخاف من سطوتهم حينما يقول كلمة الحق لا يملكون لأنفسهم -فضلاً أن يملكوا لغيرهم- نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، وأن كل شيء بيد الله عز وجل، وأنه قد رفعت الأقلام وجفت الصحف , وأن الناس لو اجتمعوا جميعاً على أن ينفعوا أحداً بشيء لم يكتبه الله له لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، رفعت الأقلام وجفت الصحف.
هذه هي عقيدة المسلم التي يجب أن يولد عليها ويعيش عليها ويحيا ويشب ويشيب ويلقى الله عز وجل وهو يعتقد هذه العقيدة، ولكنه لو غير في نفسه هذه العقيدة فإنه سوف يصبح جباناً أمام أعداء الله عز وجل، ولذلك نقول: هذه العقبة تعتبر من أكبر العقبات.