[مقدمة عن أثر المعاصي على الأمم]
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، والشكر لله الذي ينذر ويعذر، ويبين لنا أسباب الخير والسعادة وأسباب البلاء والشقاوة، حتى لا نضل السبيل، هو الذي ذكر عز وجل النار في سورة الرحمن وما فيها من العذاب ثم قال: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:١٣]؛ لأن بيان العذاب في الدنيا نعمة من الله عز وجل.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الحكم الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الذي أرسله الله رحمة للعالمين أجمعين، وحجة على الناس أجمعين، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فجزاه الله عنا وعن الأمة الإسلامية خير الجزاء، وجزاه خير ما يجزي به نبياً عن أمته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.
وبعد: إن للذنوب خطورة في حياة البشرية، وذلك شيء نجده في القرآن العظيم، قال الله عز وجل: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} [العنكبوت:٤٠].
وحينما يذكر الله عز وجل عقوبة أمة من الأمم في القرآن العظيم يقول بعد ذلك: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:٨٣] أي: وقوعها على ظالمي هذه الأمة ليس بعيداً.
ولولا دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة لحل بها البلاء العام، ولكن الله سبحانه وتعالى قد وضع في عنق كل فرد من أفراد هذه الأمة مسئولية تبليغ هذا الدين جيلاً بعد جيل، فاستجاب الله عز وجل دعوة رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يهلك أمته جميعاً.
أما المعاصي فإنها محارم الله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (وحد حدوداً فلا تعتدوها) والله عز وجل يغار على محارمه أكثر مما يغار أي واحد منا على محارمه؛ لأن الله عز وجل له غيرة أعظم من غيرة أي واحد منا على محارمه، ولكن الله سبحانه وتعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ولذلك يقول سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:١٠٢].
أيها الأخ الكريم! من هنا يجب علينا أن نقف ملياً في قصص القرآن العظيم؛ لنرى ماذا فعل الله عز وجل بالظالمين وأصحاب المعاصي والملاحدة والطغاة والمتجبرين الذين عتوا في الأرض وأكثروا فيها الفساد، فصب عليهم ربك سوط عذاب، إن ربك لبالمرصاد.
ولقد سأل عثمان بن عفان رضي الله عنه أعربياً فقال: يا أعرابي! أين الله؟ فقال الأعرابي: بالمرصاد.
فقال عثمان: (والله لقد سمعتها من فم هذا الأعرابي ولها وقع).
من هذا المنطلق يجب علينا أن نقف لنرى ماذا فعل كثير من الناس في حدود الله ومحارم الله وفرائضه وواجباته، لقد تعدى عليها كثير منهم، والله تعالى يسدل عليهم ستره، ويرغد عليهم رزقه، ويسبغ عليهم خيراته؛ لأن الله تعالى لطيف بعباده {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [النحل:٦١].