إن لنا في سلفنا الصالح قدوةً في العدل والإنصاف، ابتداءً من رسول البرية عليه السلام، الذي ما كان يعرفه الأعرابي حين يقدم عليه إلى المدينة، فكان يدخل المسجد ويقول: أيكم محمد رسول الله؟! فلم يكن عليه السلام ليتميز حتى في مجلسه، أو في هيئته، أو في أي أمرٍ من الأمور.
كان عليه الصلاة والسلام في غزوة بدر يرص الصفوف للقاء العدو، وكان يمسح بيده الكريمة بطون القوم؛ ليتأكد من استقامة الصف، فيمر على أعرابي يدعى سواد بن غزية، فيمسح على بطنه، فيقول:(يا رسول الله أوجعتني!)، أتظنون أنه قال: خذوه إلى السجن؟! لا بل كشف الرسول عليه السلام عن بطنه وقال:(خذ حقك مني)، فيأتي هذا الصحابي ويقبل بطن رسول الله عليه السلام، فيسأل عن السر في ذلك، فيقول:(والله إنها لساعة أرجو أن تكون آخر عمري من الدنيا، وأريد أن يكون آخر عهدي بالدنيا تقبيل رسول الله عليه السلام، أو تقبيلي لبطن رسول الله عليه السلام).
وذات يوم اختصم بلال وأبو ذر رضي الله عنهما في أمرٍ من الأمور، فقال أبو ذر لـ بلال:(اذهب يا ابن السوداء!، فغضب بلال وذهب إلى الرسول عليه السلام فأخبره، فغضب رسول الله عليه السلام وقال: أعيرته بأمه؟ ليس لابن سوداء على ابن بيضاء فضل إلا بالتقوى)، فمعيار التفاضل فيما بين الخلق هو التقوى، يقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات:١٣]، فما كان من أبي ذر رضي الله عنه -وهو الرجل العربي الأصيل- إلا أن وضع خده على الأرض ليطأه بلال! هكذا يقر الإسلام قواعد العدل في الأمة، وحينئذ فليس في منظور الإسلام شريف ولا وضيع:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات:١٣].
وكذلك المرأة المخزومية التي كانت تأخذ المتاع وتجحده، وأراد النبي عليه السلام أن يقطع يدها، فأراد أسامة بن زيد رضي الله عنه أن يشفع لها عند رسول الله؛ لئلا تلحق العار ببني مخزوم، وهم من أشراف قريش، فقال الرسول عليه السلام:(إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).