ثم نجد أن الجبابرة والطواغيت منهجهم دائماً وأبداً إنكار الخالق سبحانه وتعالى، فينكرون الخالق وهم يؤمنون بالخالق؛ لأن الإيمان بالخالق يربط البشر بالله عز وجل، ويحررهم من الخضوع لغير الله عز وجل، ولذلك نجد ونلاحظ عبر فترات التاريخ الطويل أن كل من أراد أن يستعبد أمة لا بد أن يبدأ أولاً بإنكار الخالق سبحانه وتعالى، وإن لم ينكره من أول وهلة لكنه يأتي بمقدمات تشير إلى أنه لا يؤمن بخالق لهذه السماوات والأرض، على الرغم من أن الإيمان بالخالق سبحانه وتعالى فطرة فطر الله عز وجل الناس عليها.
ولذلك حتى الملاحدة الذين لا يؤمنون بالخالق يقول أحدهم: والله الذي لا وجود له، كان يحلف بمثل هذا الحلف، فالفطرة تفرض عليه أن يقول: والله، لكن المصلحة تفرض عليه أن ينكر وجود الخالق سبحانه وتعالى، ولذلك نجد هذا الطاغوت لا يمكن أن يستعبد الأمة إلا أن يقول:{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}[القصص:٣٨]{وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ}[القصص:٣٨] أي: فيما يدعيه من أن له إلهاً، ولذلك نجده هنا يقول:{فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى}[طه:٤٩]، وهو يعرف أن ربهم هو الله عز وجل، وأنه لا يصلح أن يكون إلهاً، وأنه لم يخلق شيئاً في هذا الكون، ولا يستطيع أن يخلق شيئاً في هذا الكون، وأن الفطرة البشرية التي فطر الله عز وجل عليها البرية هي الإيمان بهذا الخالق سبحانه وتعالى، لكن لا يمكن أن يستعبد الأمة وهي تعرف أن لها خالقاً، ولذلك فإنه يضطر إلى أن ينكر وجود الخالق سبحانه وتعالى، حتى يستطيع من خلال هذا الإنكار أن يستذل هذه الأمة.
أما فرعون في قرارة نفسه فإنه يؤمن بالخالق سبحانه وتعالى بنص القرآن:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}[النمل:١٤] و (ظلماً) هنا حال من الواو في (جحدوا)، لا من الهاء في (استيقنتها)، أي: أن تركيب الكلام: (وجحدوا بها ظلماً وعلواً واستيقنتها أنفسهم)، وهذا شيء مشاهد، ولذلك نجد هذا اليقين الذي أخبر الله عز وجل عنه بقوله:(وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ) نجده يبرز في ساعة الصفر حينما تنتهي المهمة، وتنتهي مسرحية فرعون الذي أنكر الخالق سبحانه وتعالى، واستذل أمة مدة طويلة من الزمن، حتى إذا انتهت الفترة التي من خلالها يستطيع أن ينكر الخالق إذا هو يعلن إيمانه بالخالق سبحانه وتعالى، وهي ساعة الغرق؛ ولذلك يقول الله عز وجل عنه في ساعة الغرق:{حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[يونس:٩٠]، ثم قال الله تعالى له:{آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ}[يونس:٩١ - ٩٢] فقط لا نعيدك للدنيا مرة أخرى {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}[يونس:٩٢]، كل طاغوت يريد أن يستذل أمة أو أن يستعبد شعباً أو أن ينكر الخالق سبحانه وتعالى أو يستضعف الأمة المؤمنة تكون أنت آية له وكل من رآك، وإن من يراه في متاحف مصر ليتذكر هذه الآية التي يقول الله عز وجل فيها:(لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً).
إذاً: هو يؤمن في قرارة نفسه بالله عز وجل، ويعلن هذا الإيمان في الفترة التي لا يستفيد فيها من إنكار الخالق سبحانه وتعالى، وإن من يزور مقابر الفراعنة في مصر يتأكد أنهم يؤمنون بالخالق سبحانه وتعالى، فهم يؤمنون بالبعث بعد الموت، ولذلك يجعلون فتحات في مقابرهم لعودة الروح يوم القيامة، والإيمان بالبعث بعد الموت فرع عن الإيمان بالخالق سبحانه وتعالى؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يؤمن بالبعث بعد الموت إلا بعد أن يؤمن بالخالق سبحانه وتعالى.
وهنا يوجد من ينكر البعث بعد الموت وإن كان يؤمن بالخالق سبحانه وتعالى، كما كان المشركون في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم يعتقدون شيئاً من ذلك.
إذاً: الطغاة والمتجبرون والمعاندون، والذين لهم تفكير في إذلال البشرية، لا بد من خلال هذا التفكير أن ينكروا الخالق سبحانه وتعالى، ولذلك نجد الشيوعية التي جاءت وحكمت مدة خمسة وسبعين عاماً في بلادها ثم سقطت في آخر المطاف؛ لأنها تنافي الفطرة، نجد أنها طيلة هذه الفترة تجبر الناس على إنكار الخالق سبحانه وتعالى، وأهم مبادئها هو إنكار الخالق سبحانه وتعالى؛ لأن الشعوب لا يمكن أن تخضع لغير الله إذا آمنت بالله عز وجل، وبالرغم من ذلك فإنها لم تستطع أن تنجح في مهمتها.
إذاً: الإيمان بالله عز وجل فطرة فطر الله عز وجل كل المخلوقات عليها الإنسان وغير الإنسان، فالإنسان مفطور على الإيمان:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}[الأعراف:١٧٢] وغير الإنسان من المخلوقات الحية مفطورة على الإيمان أيضاً، كما قال الله عز وجل:{أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه:٥٠].