للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (الله نور السموات والأرض)]

يقول تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [النور:٣٥]، المراد بالنور هنا: نور الإيمان الذي يقذفه الله عز وجل في قلب المؤمن، أي: أن الذين لا يتأثرون بهذه المغريات التي تسبب الفاحشة والجريمة في المجتمع، هم الذين عصم الله عز وجل قلوبهم بالنور، فقال: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، وهذا يؤيد هذا المعنى الذي اخترناه؛ لأن نور الله لا يشبه بمخلوق من المخلوقات، ويؤيد هذا المعنى قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (القلوب أربعة -ثم ذكر من هذه القلوب- قلب فيه مثل السراج يزهر)، ويقصد بذلك عليه الصلاة والسلام نور الإيمان.

ونتعرض بإيجاز لمعنى هذه الآية التي هي آية النور: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}؛ حتى نصل إلى ما نريد.

{اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} أي: نوره في قلب المؤمن.

{مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور:٣٥] المشكاة: هي الكوة في الجدار التي لا تنفذ من الخلف، وتعكس الضوء إلى الأمام.

{فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور:٣٥] المراد بالمصباح: السراج.

{الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} [النور:٣٥] الزجاج هو الأجسام الشفافة التي تشف عما وراءها، وتعكس الضوء بقوة.

{الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [النور:٣٥] الكوكب الدري: هو النجم المضيء في السماء، مأخوذ من الدَرّ: وهو الدفع، أو من الدُرّ: وهو اللمعان.

ثم يقول الله عز وجل في وصف هذا السراج: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} [النور:٣٥] أي: ليست بالشرقية فحسب، وليست بالغربية فحسب، بل هي شرقية غربية، أي: أن هذه الزيتونة تصيبها الشمس وقت الشروق وتصيبها وقت الغروب؛ فيكون أصفى لزيتها وأنقى له، وحينئذٍ يكاد هذا الزيت أن يضيء ولو لم تمسسه نار.

يقول الله عز وجل: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور:٣٥] أي: نور السراج، مع نور الكوة التي تعكس الضوء، مع نور الزجاجة، مع نور زيت هذه الزيتونة الذي يكاد أن يضيء ولو لم تمسسه نار!