لقد أدرك العالم كله اليوم عداء اليهود، واليهود تستحق كل هذا العداء، بل فوق ذلك، ولكن المسلمين اليوم يجهلون عدواً آخر لا تقل عداوته عن اليهود، وهم النصارى الذين قرن الله بينهم وبين اليهود، وبينّ أنهم أولياء لهم في قوله تعالى:{بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[المائدة:٥١]، والنصارى لهم مواقف تشبه مواقف اليهود أو تزيد، ولقد كان النصارى يقفون في وجه الإسلام كلما سنحت لهم الفرصة.
لقد بقي النصارى في الحروب الصليبية ما يزيد على مائة وسبعين عاماً ينهلون من دماء المسلمين، ويسومونهم سوء العذاب، ونصارى العرب والنصارى الوافدون هم الذين فتحوا لهم الباب عن طريق لبنان؛ فساموا المسلمين سوء العذاب، وبالرغم من ذلك كله فإن الله تعالى يحذرنا من موالاة الكافرين بجميع أشكالهم، فيقول لنا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ}[الممتحنة:١]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ}[الممتحنة:١٣]، {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}[المائدة:٥٥].
معشر المسلمين! يبين الله لنا أن هذه الفئات الكافرة كلها تسعى لهدم الإسلام وتقويض بنيانه:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}[البقرة:١٢٠].
وهكذا تبين لنا الآيات عداء اليهود والنصارى جميعاً في آن واحد، فهم يتجمعون حيث يتفرق المسلمون، ولقد كانت أول معركة تجمعت فيها كل قوى الكفر والضلال ضد الإسلام: يوم الأحزاب، يوم وقف الرسول صلى الله عليه وسلم يحيط به أعداؤه من كل جانب، ثم تكتلوا يوم جاءوا باسم الحروب الصليبية، وهاهم في كل فترة يتكتلون لحرب الإسلام، ويعذبون المسلمين، لتعيش الأقليات الإسلامية تحت مطارق الكافرين.