لكن حينما نستعرض شيئاً من صفحات ما مضى ونحن نقف اليوم على هذا المفرق من مفارق الطريق في حياة الإنسانية، يجب أن نبادر إلى التوبة؛ لأني أرى أن كثيراً من الشباب الذين يتمتعون بالفتوة والقوة وأجسادهم مفتولة، أرى أن كثيراً من هؤلاء يسوفون في التوبة، ويقولون: نتمتع في هذه الحياة، وأمامنا متسع، وباب التوبة مفتوح، وقد سمعنا أن باب التوبة مفتوح إلى أن يموت هذا الإنسان أو إلى أن يقارب أجله.
ونحن نقول: كم من الناس من حيل بينه وبين ما يريد! قال عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[الأنفال:٢٤].
فكم من الشباب في أيامنا الحاضرة من تختطف أرواحهم أكثر من الشيوخ! ولو ذهبنا إلى المرور لنسجل الوفيات التي حصلت -مثلاً- في منطقة القصيم لمدة سنة، ثم حصرنا الذين ماتوا على فرشهم؛ لوجدنا أن الذين يموتون على فرشهم لكبر سن أو لمرض لا يساوون عشرة بالمائة بالنسبة للذين يموتون في حوادث المرور، أو في موت الفجأة أو ما أشبه ذلك.
وهؤلاء كلهم في الغالب من الشباب الذين كانت عندهم آمال، وكانت عندهم طموحات؛ ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم رسم على الأرض خطاً طويلاً وقال:(هذا الإنسان، وهذا أمله، ورسم خطاً أقصر منه بكثير وقال: هذا الأجل).
إذاً: الأجل أقرب من الأمل يا إخوة! فلا نخطط لسنين، فعندنا من الشجاعة النفسية والأمل الطويل العريض ما يجعلنا نخطط لسنين.
فعلينا يا إخوتي! أن نتقي الله سبحانه وتعالى، وعلينا أن نبادر بالتوبة.
وأرى كثيراً من الأصحاء يسوفون أيضاً في التوبة، ويقولون: نحن أصحاء في أجسامنا، فلنا أن نتمتع وننهل من لذات هذه الحياة إلى أن يكبر بنا السن أو إلى أن نضعف! وكل هذه من الآمال التي لا تتناسب مع عقلية المؤمن، ومع الفطرة التي فطر الله عز وجل المسلمين عليها.
إذاً: علينا أن نبادر بالتوبة، وألا تفوتنا هذه الفرصة، وهي خاطرة من خواطر شهر الله المحرم الذي نعيشه اليوم.