للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب رخاء بلاد الكفار وحلول المصائب في بلاد المسلمين]

السؤال

هناك من إذا ذكِّر بأن المصائب التي تحل بالأمة الإسلامية أنها عقوبة من الله عز وجل، وابتلاء وامتحان، يقول: بأن الكفار في أوروبا وغيرها من بلاد الشرق تنتشر فيها الفواحش بأنواعها، ومع ذلك نجد بأنها تعيش في أمان، ولم تحل بها عقوبة من الله، فكيف نرد على أولئك القوم، وجزاكم الله خيراً؟

الجواب

أولاً: هناك فرق بين المجتمعات الإسلامية والمجتمعات الكافرة، فالمجتمعات الإسلامية التي رسم لها طريق من عند الله عز وجل والتزمت به، إذا انحرفت عنه تصاب بعقوبة الله عز وجل، ولذلك يقول الله عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:٣٠]، ويقول: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:٤١]، ويقول: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر:٤٥]، ويقول: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال:٥٣]، وغير ذلك من الآيات، وكلها تدل على أن ما يحدث من الفساد في هذه الأرض ومن البلاء ومن المشاكل والمصائب، إنما هو بسبب ما كسبت أيدي الناس.

أما ما أورده الأخ السائل في قوله: كيف يكون ذلك وبلاد الكفر تمطر ليلاً ونهاراً، وفيها غاية النعيم والمتاع والأجواء الطيبة، والمياة الجارية وهي على معصية الله؟ فالفرق واضح، فتلك أمة منهجها منحرف أصلاً، ولم تكن مستقيمة فانحرفت، والعقوبة تصيب من استقام فانحرف.

والأمر الآخر: هو ما أشرت إليه في تفسير الآيات في قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} [هود:١٥]، فما في بلاد الكفر من رخاء العيش، ومن المتاع، ومن الأنهار، ومن الأمطار المتواصلة، ومن الخضرة وخصوبة الأرض، ومن الصحة والعافية والترف والنعيم، كل ذلك لأن لهم حسنات عند الله عز وجل، وهذه الحسنات لا تكتب لهم في الآخرة؛ لأن الله تعالى لا يرحم في الآخرة كافراً، وإنما يكون الجزاء الحسن للمؤمنين.

إذاً: الله عز وجل لا يظلم مثقال ذرة، ولهم حسنات في الدنيا، والله تعالى غفر لمن سقى كلباً، فإذا فعلوا حسنات في هذه الحياة الدنيا كأن يجروا الترع والأنهار مثلاً، أو يبنوا الجسور والقناطر، أو يفتحوا المستشفيات والمدارس، أو يقدموا أي خدمة لخلق الله، فهذا عمل صالح، لكنه غير مقبول عند الله تعالى، فالله تعالى يعجل جزاءهم في الحياة الدنيا، ولذلك تأتيهم الحياة الدنيا أكثر مما تأتي المؤمنين، ولعل السر الواضح في ذلك هو ما قلت لكم.

إذاً واقعهم هو معنى قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)، أي: بعمله، (وَزِينَتَهَا) أي: لا يريد الآخرة، (نُوَفِّ) أي: نعطيهم الجزاء وافياً (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ)، يعني: يأخذون الحق كاملاً، {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} [هود:١٦]؛ لأنهم في الدنيا أخذوا نصيبهم، فليس لهم نصيب في الآخرة.

إذاً: لا تعجب يا أخي! أن ترى بلاد الكفر بهذا الشكل كما أشار الأخ السائل؛ لأن سنة الله تعالى أن يعجل الجزاء للكافرين ويدخر الجزاء للمؤمنين، وربما يعجل الله عز وجل بعض الجزاء للمؤمنين، ويدخر لهم الجزاء في الآخرة، كما قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الأعراف:٣٢]، أي: ويشاركهم فيها الكافرون، {خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف:٣٢].