يقول الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك:(وأكرم الرجل مخافة شره).
في واقعنا اليوم يكرم الرجل مخافة شره، هناك رجال كثيرون يكرمون مخافة شرورهم، يقول الشاعر: ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدواً له ما من صداقته بد وهذا أعظم شيء على النفس، واليوم نجد أن كثيراً من الناس يحترمون لا حباً لهم في دينهم ولا في دنياهم، وهناك من لا خير فيه ولا صلاح ولا استقامة، ثم إذا بهؤلاء يحتفى بهم في المجالس وتصفق لهم الجماهير، وتفتح لهم الطرقات في جل العالم الإسلامي، والعجيب أن هؤلاء الذين يحترمون مخافة شرورهم، لم يسلم المسلمون بعد من شرورهم، فالطغيان قد انتفخ في أرضنا اليوم، وامتلأت السجون في جل العالم الإسلامي، وكان المفروض أن تكون تلك السجون سجوناً للجامحين والمنحرفين، فإذا بها تتحول معتقلات للأتقياء والصالحين والدعاة والمصلحين.
يكرم الرجل مخافة شره؛ لأنه رجل طاغية مفسد ذو بطش وإفساد في الأرض، أو لأنه عين يتجسس وينقل أخبار المسلمين مقلوبة إلى ولاة الأمر وإلى أصحاب الحل والعقد، كأن يقول لهم: إن هذا يحرض.
أو: إن ذاك يدعو إلى نزع يد الطاعة.
وما علم أولئك الولاة أن هؤلاء الذين يعتلون المنابر -وأقسم على ذلك- أنهم أكثر إخلاصاً من هؤلاء الذين ينقلون الأخبار إليهم.
وإذا كان أولئك الولاة مستقيمين على شرع الله ممتثلين أمره فهؤلاء الذين يعتلون المنابر يعلمون أن في أعناقهم لهم بيعة، وهذه البيعة يحرم عليهم نقضها بأي حال من الأحوال؛ لأنهم يعلمون أن الفتن لا تجر وراءها إلا فتناً أعظم منها، ومع ذلك كله فهناك كثير من هؤلاء الذين يتولون أمر المسلمين يفقدون الثقة بهؤلاء الدعاة والمصلحين، وفي المقابل فأصحاب المنابر والدعاة يفقد كثير منهم الثقة بالولاة، وما علموا أن دينهم يلزمهم بالطاعة ويحرم عليهم نزع يد الطاعة، إلا أن يروا كفراً بواحاً عندهم فيه من الله عز وجل برهان.
وعلى هذا نقول: إذا حصل إكرام الرجل مخافة شره في المسلمين دل دلالة واضحة على انحراف عريض في الأمة الإسلامية وفي المجتمع الإسلامي، ودل دلالة واضحة على أن هذه الأمة ليست بخير، وأنها معرضة لعقوبة الله عز وجل، وإنما يجب أن يكرم الرجل لتقواه؛ لأن الله تعالى يقول:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات:١٣] ولأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وعلى هذا يجب أن يكون التقدير للصالحين والأتقياء، وبمقدار ما يزيد صلاح هذا الإنسان يجب أن يرتفع في أعين الناس أكثر فأكثر، وحينما ينحرف فيجب على المسلمين أن يسقطوه من حسابهم حتى يرجع إلى الجادة، أما أن يكرم الرجل مخافة شره وبمقدار ما يقدمه من أذية لهؤلاء الناس يكرمونه ويقدرونه فهذا -كما قلنا- يدل دلالة واضحة على أن هذه الأمة قد انحرفت عن خطها المستقيم.