[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب النجاة من غضب الله تعالى وعذابه]
يقول الله تعالى:{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ}[هود:١١٦]، أي: لم يكن في الأمم السابقة من ينهى عن الفساد في الأرض إلا قليلاً، وهؤلاء القليل لو تتبعتهم لوجدتهم هم الذين ينقذون أنفسهم وينقذون العالم من عذاب الله عز وجل؛ ولذلك إذا أنزل الله تعالى العقوبة فإنه لا يسلم منها إلا الذين ينهون عن السوء، (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ) أي: فهلا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية (يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ) أي: لم يكن فيمن قبلكم من ينهى عن الفساد في الأرض، فلا تكونوا مثلهم فيعاقبكم الله كما عاقبهم، ولكن كونوا ممن ينهى عن الفساد في الأرض؛ لأن ذلك هو سبب سلامة العالم صالحهم وفاسقهم، وهو سفينة النجاة، فإذا تُركت هذه السفينة يعبث بها السفهاء، ونام العقلاء عن ذلك، واستطابوا العيش الرغيد، ولم يفكروا في أن يغيروا شيئاً من الأوضاع التي ألفها الناس؛ لأنهم يريدون أن يعايشوا هذا المجتمع معايشة سليمة خالية من التنغيص، ولو كان ذلك على حساب الدين، ولو كان ذلك على حساب بقاء الأمم وهلاكها؛ كان ذلك سبب هلاك وفناء هذا العالم.
(فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ) أي: لم يكن هناك من ينهى عن الفساد إلّا قلة، وهؤلاء القلة هم الذين أنجاهم الله عز وجل، وهم المرسلون ومن آمن بالمرسلين.
ثم قال الله تعالى:{إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}[هود:١١٦ - ١١٧]، فالله تعالى لا يظلم مثقال ذرة، ولم يقع في تاريخ البشرية أن الله تعالى أهلك أمة مصلحة، ولكن أهلك المفسدين، وأهلك معهم الذين يسكتون عن الفساد في الأرض، أما المصلحون فإذا وُجِدوا في الأرض فإنهم يكونون من الأمم التي ينجيها الله عز وجل.
فإذا كان الأمر كذلك فلماذا يؤذى المصلحون في الأرض؟ ولما يتعرض المصلحون في الأرض من الذين يدعون إلى الله تعالى، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر للأذى، وهم سبب بقاء هذا العالم، وسبب بقاء هذه الدول التي وجد فيها المصلحون؟!! إن وجود هؤلاء المصلحين في أمة أو في دولة هو علامة على بقائها.